التبرير.. بضاعة الكسالى وحجة المنهزمين!!

الإنسان بطبعه يحب أن تبقى صورته بعيدة عن النقد سليمة من النقص ، خالية من العيب، ولذا فإنه يسعى دائما إلى نفي هذه الصورة الذميمة عنه ، وهذا أمر محمود لو أنه كان يتم بالطريقة الصحيحة، من الجد والعمل والتحلي بالخلق الفاضل والهمة العالية، وعدم الخور والضعف والخذلان والتقاعس والاتكالية . لكن طائفة من الناس نجدهم كثيرا ما يعتذرون عن تقصيرهم أو وقوعهم في بعض المخالفات، بأعذار تبدو لأول وهلة بأنها منطقية وسليمة ومقبولة، لكنها في الحقيقة مبررات يراد من خلالها مدارة فشل ما، لا يستطيع المبرر التخلص منه، أو انحراف ديني أو خلقي لا يريد المبرر أن يجاهد نفسه ليغيره، أو تكاسل وتقاعس وخلود إلى الراحة أعجب المبرر فلا يحب أن يتجاوزه، وهو في نفس الوقت الذي نراه مقيما على أخطائه وتجاوزاته وتقصيره لا يريد أن يظهر بهذا المظهر أو ذاك، أمام نفسه وأمام الآخرين، فالحل الوحيد عنده أن يأتي بسيل من المبررات لمواقفه، يظنها من يستمع لها أنها الأسباب الحقيقة التي جعلته بهذه الحالة، وهي في الحقيقة مبررات متكلفة يخفي المبرر وراءها الأسباب الحقيقة، والتي لا يريد أن يصارح بها نفسه أو أن يعلمها عنه الآخرون. المبررات أصبحت أمرا أساسيا في حياة الكثيرين وإذا نظرت في واقع الناس، وجدت أمثلة حية ومواقف متعددة يظهر فيها التبرير بوضوح في حياة الكثيرين منهم، وربما لا يخلو منها بشر، ولكنها تتفاوت قوة وضعفا وتأثيرا بحسب الشخص وقوته وضعفه، وقد لا تظهر عند بعض الأشخاص نظرا لقوة المبرر وقوة الشخص وقد يكون العكس. خذ لذلك أمثلة من واقع الناس :- شخص يهمل في تربية أولاده وتنشئتهم النشأة الصالحة، فإذا كلم في ذلك إذا به يسرد لك من الآيات والأحاديث والمواقف ما يبرهن به على أن الهداية بيد الله جل وعلا، ويتناسى أن كل شيء له سبب، وأن الإنسان مطالب بالقيام بالرعاية على من هم تحت يده. وآخر تجده ناصبا نفسه للهو واللعب والعبث، والبعد عن الطاعة والعبادة، فهو لا يقيم وزنا لأوامر الله ، ولا يبعد نفسه عما حرم الله، فإذا ما نبه إلى قبح فعله وعظيم جرمه، وجدت الإجابة حاضرة إن الله غفور رحيم، وهذه الأمور كلها شكليات والإيمان في القلب، وما دام القلب مؤمنا فهذا الأساس، ويبدأ يسرد لك من الكلام والمقال وكأنه خطيب على منبر يعظ الناس ويوجههم. وثالث مغتر بكثرة المال والثراء، فهو ينفقه في غير ما منفعة، يبذر ويبعثر ويفرق ولا يعرف حق الله فيه ولا شكر الله عليه، وحجته في ذلك أنه الله يحب أن يرى أثر نعمته عليه وأن الله نهى عن البخل والشح. فإذا ما جاء الإنفاق في سبيل الله واحتساب الأجر فيه، إذا بالأمور تتغير فكثير من السائلين يكذبون، والجمعيات الخيرية لا يعرف حقيقتها، وأهل الخير لا يمكن الوصول إليهم و...و...يخفي وراء ذلك بخل وشح وإعراض عن الإنفاق . وأقبح من ذلك من يستخدم الدين ليبرر به تقصيره في الدين، فإذا نصحت رجلا ما بأن عليه أن يلتزم بشرع الله في حياته وفي ملبسه ومظهره إذا به يفاجئك بأنه لا يريد أن يظهر بصورة المنافق، وذلك أن عنده معاصي كثيرة في الباطن لم يتخلص منها، وإذا ما التزم في ظاهره وامتنع عن المجاهرة بالمعاصي كان منافقا. فأي مبرر أقبح من ذلك. وهكذا تجد أصنافا من المبررات والمسوغات لإهمال شخص أو تقاعس آخر أو تفريط ثالث أو تقصير رابع وخامس وعاشر الإسلام يذم هذه المبررات ولا يقيم لها وزنا إن الإسلام بشموليته وكماله وسموه، ليربأ بالمسلم عن الوقوع في مثل هذه المبررات التي هي دلالة على ضعف الإنسان وخوره، وهروبه من مواجهة الحقيقة، وهو ما يذمه الإسلام ويحذر منه، ذلك أنه لا يريد من المسلم إلا أن يكون شهما قويا، بعيدا عن مواطن الضعف والهزيمة المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير والمبررات وإن لم تكن في الحقيقة كذبا صريحا، إلا أنها خداع ومراوغة يخفي المبرر وراءها من الحقائق ما لا يريده أن يظهر لنفسه ولا للناس، ويعطي لنفسه الأسباب التي تجعله يهدأ ويطمئن إلى فعله أو عدمه، وإذا تتبعت القرآن الكريم والسنة النبوية وجدت أن هذه الصفة دائما مرتبطة بالمنافقين الذي يقولون ما لا يفعلون، ولذا تجد الرد على مبرراتهم صريحا وقويا وجليا، فالقرآن لا يتستر على مثل هذه المبررات، ولكن يفضحها ويفضح أصحابها. القرآن والسنة وموقفهما من التبرير اقرأ مثلا ما نزل من القرآن تعقيبا على استهزاء المنافقين بالصحابة رضوان الله عليهم في القصة المعروفة المشهور والتي نزل فيها قوله تعالى ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون فالله جل وعلا لم يقبل هذا المبرر الذي ذكروه وهو الخوض واللعب، بل وعنفهم أشد التعنيف. واقرأ قوله تعالى حكاية عن فعل المنافقين في غزوة الأحزاب ومحاولتهم الفرار من المعركة بهذا المبرر الفاضح ... ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عروة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا واسمع للتبرير العجيب في تقاعس المنافقين عن الجهاد والقتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين&# 1645; وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم... فسبحان الله يتركون الاستجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصريح لهم بالجهاد، ثم يقولون بعد ذلك لو كنا نعلم أنه يحدث قتال لكنا لحقنا بكم. واقرأ في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما يجلي لك هذا الأمر بوضوح، فالنبي صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالجهاد فيأتي منافق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره أنه لا طاقة له بنساء بني الأصفر الروم، وأنه يخشى أن يفتتن بهن، ويطلب الإذن منه صلى الله عليه وسلم ليتخلف عن الجهاد، وهو في الحقيقة لا يريده، ولم يغفل الله جل وعلا هذا المبرر بل أشار إليه بقوله:ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين. وأخر عنده من الكبر والغرور ما يخالف به أمر النبي صلى الله عليه وسلم بل ويأتي بمبرر على ذلك، حين يقول له عليه الصلاة والسلام وقد رآه يأكل بشماله كل بيمينك فقال: لا أستطيع، فقال عليه الصلاة والسلام لا استطعت. ما منعه إلا الكبر . يقول الراوي فما رفعها إلى فيه. المؤمن الحق يجاهد نفسه للبعد عن التبرير والأمثلة كثيرة، والمقصود منها أن هذه الصفة لا تجدها مرتبطة إلا بالمنافقين وأفعالهم، أما المسلم الحق فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول عنه استعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أن فعلت كذا لكان كذا ولكن قدر الله وما شاء فعل فلا تبرير يدفع الإنسان إلى الاستسلام والعجز، ولكن استعانة بالله وإيمان بقضائه وقدره تدفع المسلم إلى الإمام وإلى الأمل والرجاء. التبرير لا ينفع صاحبه بشيء والإسلام لا يرضى بتبرير الخطأ أيا كان، فالصحابي عندما قتل رجلا من المشركين قال لا إله إلا الله قبل قتله، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه إنما قال هذه الكلمة ليتقي بها الموت، لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم هذا العذر وهذا التبرير، بل قال له هلا شققت عن قلبه، وأنزل الله جل وعلا يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ... وعندما يحدثنا الله جل وعلا عن المسارعة بالتوبة وضرورة الإقلاع عن الذنوب والمعاصي، يدحض المبررات التي يتكل عليها بعض الناس، ومنها أن الهداية بيد الله فيقول أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين وعندما ينبهنا إلى ضرورة الإنفاق في سبيل الله، يحذر من التبرير في عدم الإنفاق بضيق الوقت وسرعة انقضاء العمر بقوله وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين والإسلام إنما أولى هذه القضية عناية كبيرة لما لها من خطورة على حياة الإنسان ذلك أنه كلما تعود الإنسان على تبرير مواقفه كلما دعاه ذلك إلى الاستكانة والتخاذل واليأس، وهو ما لا يريده الإسلام من المسلم الحق أبدا. بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره