مسلمة بن عبد الملك بن مروان الأموي

نسبه: هو أبو سعيد مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم القرشي الأموي الدمشقي وإليه تنسب جماعة بني سلمة التي كانت بلدتهم الأشمونيين وفيها منازلهم وهي بلدة بالصعيد الأعلى في مصر غربي نهر النيل، ظل أكثر من خمسين عاما يحمل سلاحه ويسدد رماحه ويذود عن حمى الدين. شمائله وصفاته: كان من أبطال عصره بل من أبطال المسلمين المعدودين حتى كانوا يقولون هو خالد بن الوليد الثاني لأنه كان يشبه سيف الله المسلول في شجاعته وكثرة معاركه وحروبه. ويقول عنه المؤرخ، يوسف بن تغري بردي، صاحب كتاب النجوم الزاهرة هذه العبارة: كان شجاعا صاحب همة وعزيمة وله غزوات كثيرة. ويقول عنه صاحب العقد الفريد: ولم يكن لعبد الملك ابن أسدد رأيا ولا أزكى عقلا ولا أشجع قلبا ولا أسمع نفسا ولا أسخى كفا من مسلمة. مسلمة أفضل أبناء عبد الملك: ولذلك أوصى عبد الملك بن مروان أولاده وفيهم مسلمة فكان مما قاله لهم عنه يا بني أخوكم مسلمة نابكم الذي تفترون عنه، ومجنكم الذي تستجنون به، احدروا عن رأيه. ومع أن اخوة مسلمة تولوا الخلافة دونه ظل هو بينهم النجم المتألق الثاقب بجهاده وكفاحه، وقال عنه مؤرخ الإسلام الذهبي: كان مسلمة أولى بالخلافة من اخوته. وقد كانوا يلقبون مسلمة بلقب الجرادة الصفراء لأنه كان متحليا بالشجاعة والإقدام مع الرأي والدهاء. مسلمة بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز: وكان اتصال مسلمة بخامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز من أقوى الأسباب في تكوين شخصيته تكوينا باهرا ورائعا لأن عمر بن عبد العزيز كان رجلا تتمثل فيه نفحات إلهية من الخير والبر والتوفيق، وكل من اختلط به وهب التوفيق والرشاد، وهناك عبارة قالها مسلمة تدل على أن ملامح شخصيته كان الفضل لعمر بن عبد العزيز فيها وهي: جزاك الله عنا يا أمير المؤمنين خيرا فقد ألنت قلوبا كانت قاسية وجعلت لنا في الصالحين ذكرا. ملامح شخصية مسلمة بن عبد الملك: كان مسلمة يظهر نعمة الله تعالى ومن شواهد ذلك أنه دخل على عمر بن عبد العزيز وعليه ربطة من رباط مصر أي ثوب رقيق ناعم فقال له عمر: بكم أخذت هذا يا أبا سعيد؟ أجاب مسلمة: بكذا وكذا. قال عمر: فلو نقصت من ثمنه ما كان ناقصا من شرفك. فأجاب مسلمة: إن أفضل الاقتصاد ما كان بعد الجدة وأفضل العفو ما كان عند المقدرة وأفضل اليد ما كان بعد الولاية. وكان رجلا معطاء وكان تقيا يحافظ على الصلاة ويحب العفو ويحبب فيه. ومن ملامح شخصيته أنه كان يعرف للفصحى مكانتها وللبيان السليم منزلته، وكان يقول: اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه. كان يحب أهل الأدب وأوصى لهم بثلث ماله وقال: إنها صنعة جحف أهلها أي سلبهم الناس حقهم وكذلك كان يعرف للشعراء مكانتهم وحقهم وكذلك العلماء يعرف أقدارهم فكان يهدي للحسن البصري وأهدي إليه ذات مرة خميصة لها أعلام فكان الحسن يصلي فيها. مسلمة قائد جيوش المسلمين كان مسلمة بن عبد الملك من أقوى القادة في الدولة الأموية ومن أمهرهم وقد كان أكثر جهاده في بلاد الروم حيث أذاقهم الويلات وفتح كثيرا من الحصون والمدن. وقاد كثيرا من الغزوات الإسلامية حتى أصبح يحسب له ألف حساب وقد تعرض لكثير من المواقف التي كان يعالجها بحكمة وصبر وتأمل ومما يدل على عقله وتدبيره ما روي أن أخوه هشام بن عبد الملك سأله فقال له : هل دخلك ذعر قط لحرب أو عدو؟ فقال: ما سلمت في ذلك من ذعر ينبه على حيلة ولم يغشني ذعر سلبني رأيي .. فقال هشام: هذه والله البسالة. ومن المواقف المبهرة: إن مسلمة كان يحاصر ذات يوما حصنا وما أكثر الحصون التي حاصرها، وما أكثر الحصون التي فتحها باسم الإسلام والمسلمين .. واستعصى فتح الحصن على الجنود فوقف مسلمة يخطب بينهم ويقول: أما فيكم من أحد يقدم فيحدث لنا نقبا في هذا الحصن؟ وبعد قليل تقدم جندي ملثم وألقى بنفسه على الحصن واحتمل ما احتمل من أخطار وآلام حتى أحدث في الحصن نقبا كان سببا في فتح المسلمين له، وعقب ذلك نادى مسلمة جنوده قائلا: أين صاحب النقب؟ فلم يجبه أحد، فقال مسلمة: عزمت على صاحب النقب أن يأتي للقائي وقد أمرت الآذان بإدخاله علي ساعة مجيئه. وبعد حين أقبل نحو الآذان شخص ملثم وقال له: استأذن لي على الأمير، فقال: أأنت صاحب النقب؟ فقال: أنا أدلكم عليه، فدخل فقال للقائد: إن صاحب النقب يشترط عليك أمورا ثلاثة: ألا تبعثوا باسمه في صحيفة إلى الخليفة، وألا تأمروا له بشيء جزاء ما صنع وألا تسألوه من هو. فقال مسلمة: له ذلك، أين هو؟ فأجاب الجندي في تواضع واستحياء، أنا صاحب النقب أيها الأمير ثم سارع بالخروج، فكان مسلمة بعد ذلك لا يصلي صلاة إلا قال في دعائها: اللهم اجعلني مع صاحب النقب يوم القيامة. وفاته: بعد ما يزيد عن نصف قرن من الزمان قضاها مسلمة بن عبد الملك في قتال ونضال، وكفاح وحمل سلاح، مضى إلى ربه سنة إحدى وعشرين ومائة. توفي مسلمة يوم الأربعاء لسبع مضين من المحرم سنة إحدى وعشرين ومائة في موضع يقال له الحانوت.