العادات والتقاليد هل ننبذها جانبا أم نتمسك بها؟
تنتشر العادات والتقاليد والأوضاع الاجتماعية في كثير من المجتمعات، ويرتبط التمسك بها والإصرار عليها بمستوى ثقافة المجتمع وتعلمه، وبمدى الترابط الاجتماعي. فالمجتمعات المتعلمة والمثقفة أكثر جرأة على تجاوز العادات والتخلي عنها من المجتمعات الأمية، وتزداد الجرأة على تجاوزها كذلك كلما قل الترابط الاجتماعي؛ فمجتمعات المدن أقل تمسكا بها من المجتمعات القبلية والبوادي. وحين تستقر هذه العادات والأوضاع لدى الناس ويتشربونها، يقع الخلط بينها وبين الأحكام الشرعية، وأبرز مثال على ذلك: العادات المرتبطة بقضية المرأة. العادات بين طرفين وقد يختلط الأمر على بعض الغيورين، فيدافعون عن بعض العادات ويصرون على التمسك بها والتشبث بها ظنا منهم بأنها جزء من الدين، والدين إنما مرجعه الوحيان وما استنبط منهما. وثمة طائفة أخرى يهمهم شأن الإسلام، ويسعون إلى جعله مقبولا بين الآخرين، ومن ثم فهم يسعون إلى أن يبعدوا وينفوا عنه أي صفة من صفات القصور والنقص، حتى ولو كان معيار القصور والنقص هو ما يراه رجال الغرب الذي لا يدين بالإسلام. ومن ثم يشن هؤلاء حربا شعواء على العادات والأوضاع الاجتماعية لأنها ليست من الدين، بل هي (لدى هؤلاء تشوه صفاءه ونقاءه). وكما أن حرص الطرف الذي يصر على التمسك بها والتشبث غير كاف في سلامة موقفه، فحرص هذا الطرف أيضا على إبراز الإسلام بصورة صافية لدى الآخرين ليس كاف هو الآخر. والغلو ومجانبة الاعتدال في المواقف أيا كان اتجاهه أمر مذموم، فالوسطية سنة الله في خلقه وشرعه. ومن ثم فالإصرار على التمسك بالعادات والأوضاع الاجتماعية التي لم يأت بها شرع منزل أمر مرفوض. العادات والتقاليد وعلاقتها بالشريعة ويزداد الأمر رفضا حين تخالف العادات أدبا شرعيا، كالتعود على نمط من الضيافة يدخل صاحبه في دائرة السرف، أو يحمله فوق ما يطيق، ولو دعي للإنفاق في سبيل الله لما بذل عشر ذلك. وفي المقابل فثمة عادات لم ينص الشرع على اعتبارها، لكنه مع ذلك لم ينص على إلغائها، فالأمر فيها ليس منكرا يغلظ فيه على صاحبه ويشدد عليه، ما لم يعتقد ارتباطها بشرع الله وينزلها منزلته. والعجب أن طائفة ممن يبالغ في الوقوف ضد هذه العادات لا يجد غضاضة فيما يسمى بالأعراف الدبلوماسية، والبروتوكولات الرسمية، وهي في الأغلب تقليد ليس له مبرر موضوعي، ومع ذلك يلتزم بها ويحافظ عليها، بل يعاب على من يخالفها ويتجاوزها؟ فلم تكون عادات الساسة وبروتوكولاتهم جديرة بالاحترام دون عادات رجال القبائل؟ ومن العادات والأوضاع الاجتماعية ما يندرج في باب الشيم ومعالي النفوس، فهو مما ينبغي أن يحافظ عليه ويرعى؛ فالإخلال به لدى أهله مخل بالمروءة. ومنها ما يندرج تحت مقاصد الشرع العامة، كمحافظة المرأة وحيائها، وتوقير الكبير وتقديره، فعدم نص الشرع عليه بخصوصه ليس مسوغا للتخلي عنه بحجة كونه عادة.