التداوي بالأعشاب بين الحقيقة والوهم

من أساسيات حياتي الصحية اتباع المنهج العلمي، لا يمكن أن أتناول دواء لم يصفه لي طبيب مرخص، وأزيد على ذلك أحاول أن أعرف البلد الذي تخرج منه هذا الطبيب متى ما توفرت المصادر، لم أتناول في حياتي أعشاباً ولم تمسس النار جسدي، ولا أعرف ما الذي تعنيه الحجامة ولم أخضع يوماً لراقٍ وفوق هذا لم أتناول حبوب مسكنات الألم إلا في حالتين أو ثلاث نادرة جداً. منحني الله نعمتين في غاية الأهمية الأولى أن والدي أخذني للمدرسة حتى تخرجت من الجامعة، والثانية أن قدر الله لي أن أعيش في هذا العصر العظيم الذي علا فيه العقل والعلم.

ما الذي يعنيه أن يترك الإنسان مشفى قام على العلم والمعرفة والتجربة والمراجعة الدائمة والمعترف بممارساته على مستوى العالم ليلجأ إلى وصايا شعبية في دكان يديره رجل بالكاد يفك الحرف، عندما كانت الأعشاب سيدة الأدوية كانت الأوبئة تجتاح العالم، كان متوسط عمر الإنسان لا يتعدى خمسين سنة، كانت العاهات تنخر في المجتمع ولا أحد يعرف أن عالمنا ممتلئ بكائنات حية صغيرة تعبث بأجسادنا وكنا نعيش مع الحشرات دون أن يخبرنا العطار بأضرارها الصحية.

الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يقع في حبائل الخرافة، رغم أن الله كرمه بالعقل إلا أن عاملي الأمل واليأس يلعبان دوراً كبيراً في تعطيل قدراته المنطقية، يبقى أسير خرافات كرسها في دماغه أنصاف رجال الدين ليلجأ إليها عندما يشتد به البأس.

تناول الأعشاب قناعة سيكولوجية، على الرغم من مضي آلاف السنين على التداوي بالأعشاب لم تصل عشبة واحدة إلى درجة اليقين الدوائي، لا نعرف عشبة واحدة تقضي على مرض محدد يتفق عليها الجميع، كل عشبة يصفها العطار تصلح لعشرات الأمراض.

لا يدرك بعض العامة أن جسد الإنسان بداخله آلة اسمها جهاز المناعة، سواء تناول المرء عشبة أو لم يتناولها فسيعمل هذا الجهاز فإذا قضى على المرض نسبوا الفضل للعشبة وإذا مات بسبب المرض أو بسبب العشبة ترحموا عليه ودفنوه. في كل مرة يتم العلاج بالأعشاب تكون الفائدة الوحيدة أن تلك العشبة لم تعطل جهاز المناعة أو تفاقم المرض أو تسمم الجسد، شفاء المريض هو في الحقيقة نجاة من المرض والعشبة معاً.

يواجه الطب الحديث تحديات كبيرة، ما زال أمامه طريق طويلة لتذليلها لكنه يعترف بهذا العجز بخلاف إخواننا العطارين الذين يملكون الترياق الشامل للحياة.

بقلم/ عبد الله البخيت - الرياض