لاحتراف سر تقدم الأمم
حياة محمد عبده وطريقته في العمل تعطيك درساً في معنى الاحتراف. الأمم العظيمة لا تقوم على الهواة. لا يمكن أن يبرع المرء في أكثر من عمل في حياته ولا ينجز من يستند في عمله على شيء غير تخصصه، يمكن أن ينجح الإنسان في أكثر من شغلة، لكن النجاح شيء والإنجاز شيء آخر، النجاح في الغناء يختلف عن نجاح الإنسان الذي يضيف للغناء. قارن راغب علامة مع محمد عبده، الفنان راغب علامة ناجح ولكنه لم يضف للفن اللبناني أي شيء، قوة راغب علامة في وسامته وقوة محمد عبده لا علاقة لها بأي شيء آخر غير الغناء، لا يملك مالاً ولا جاهاً ولا قوة.. خارج الغناء يتحول محمد عبده إلى إنسان عادي تماماً وهذا سر نجاحه العبقري، ليس له مكان في هذا العالم إلا هنا ولا يستند إلا على تخصصه.
في الدول النامية ستجد أن الإنسان يشتغل شغلتين أو ثلاثاً، قد تتقارب طبيعة هذه الشغلات أو تتباعد ولكنها في كلتا الحالين تقود للتشتت. الضرب في مكان واحد مهما كانت الضربات خفيفة سوف تحقق أعظم النتائج، كثير منا يعرف مثال الماء، نقط الماء مهما تضاءلت سوف تفلق الصخر إذا لم تكل أو تتشتت.
معنى الاحتراف أن تتخصص في عمل واحد فقط، لا يشغلك ولا يعنيك سواه، أن يكون مصدر دخلك الأساسي وقيمتك في المجتمع، لا يمكن أن تكون مطرباً في الليل ورجل أعمال في النهار، لن تبرع في كلتا الوظيفتين لكن هذا شائع في عالمنا، ستجد في بيئتنا أنصاف كل شيء، نصف فنان ونصف كاتب ونصف تاجر ونصف طبيب.. إلخ، نصفهم الآخر يعمل في مجال آخر.
الخروج من التخصص والتعاطي في تخصص آخر ربما يكون بدوافع نبيلة: إنسانية وطنية دينية، كأن يسهم الطبيب في الدعوة للدين أو يخصص المهندس جزءاً من وقته وجهده بكتابة مقالات اجتماعية خارج تخصصه، لا يدرك هؤلاء أن خدمة تخصصه هي خدمة لقضيته، إذا برعت في الطب خدمت وطنك أو دينك، أن تكون وطنياً أو مسلماً جيداً خلك في شغلك، صر مهندساً عظيماً.
مجدي يعقوب المصري المسيحي من أفضل الأطباء في بريطانيا، لم يسمعه أحد يدعو أو يشيد بالمسيحية، لم يتعرض في تصريحاته إلى هذا الجانب من حياته، لكنك تسمع الناس يشيدون بالمسيحيين المصريين عندما يذكر اسمه، صار ممثلاً لطائفته لأنه كان طبيباً فقط.
نجاحك في تخصصك والبقاء فيه هو خدمة لك ولدينك ولوطنك.
بقلم/ عبد الله البخيت - الرياض