الإسلام والحقوق الزوجية للسجناء

سجون طبيعتها الخاصة التي تميزها عن غيرها فهي تعني الغلظة والقسوة والوحشة، وهي تعني الابتعاد عن الأهل والزوجة والولد والعزلة عن العالم الخارجي ومع كل هذا فقد يقضي السجين فيها فترات طويلة لا يرى أهله وذويه فيها إلا لماما هذا الوضع جعل كثيرا من منظمات حقوق الإنسان تنادي بضرورة العناية بالمساجين وتوفير بعض الأسباب التي تحفظهم من الانحرافات والضياع. ولا شك أن وجود السجين داخل السجن لا يخرجه عن طبيعته البشرية فهو بحاجة إلى مأكل ومشرب وعناية كما أنه بحاجة إلى إطفاء غريزته الجنسية هذا مع ضرورة التوجيه والنصح وإبعاده عن دواعي الانحراف والانزلاق في مهاوي الرذيلة مثله في ذلك مثل سائر البشرية وإذا كانت السجون توفر قدرا معقولا من المأكل والمشرب فلماذا لا توفر له سائر حقوقه والتي منها خلوته بزوجته؟ وما هي نظرة الشريعة الإسلامية تجاه هذا الأمر؟ موقف الشريعة الإسلامية من عقوبة السجن بداية يقول الشيخ محمد العباسي إن الإسلام لا يعرف نظام السجون بوضعها الحالي بل إن هذه العقوبة وهي عقوبة السجن بهذا الشكل إنما وردت إلينا من خلال القوانين والأنظمة الغربية، والإسلام ليس فيه إلا الحدود والتعزيرات والعقوبات المالية وهي تتم مباشرة بمجرد الانتهاء من القضية وظهور الحقيقة وإن احتيج في هذه الحالة إلى السجن فإنما هو لأيام معدودة لحين الانتهاء من الحكم. ويبين الشيخ العباسي مخاطر بقاء السجين هذه الفترات الطويلة داخل السجن بما يترتب عليه ضياع الأولاد وتشتتهم وانحرافهم لعدم وجود من يربيهم ويرعاهم ويوجههم، أضف إلى ذلك المخاطر التي تحيط بهم لعدم وجود عائل يوفر لهم متطلباتهم واحتياجاتهم. وهذا ما يؤكد عليه الدكتور محمد المسير الأستاذ بجامعة الأزهر، حيث يرى أن السجن بوضعه الحالي حيث يودع الإنسان بداخله لسنوات طويلة ليس عقوبة شرعية، ويترتب على ذلك العديد من المفاسد، فكم حصل بين السجناء من مهازل أخلاقية وانحرافات سلوكية بسبب بقائهم في هذه السجون هذه الفترات الطويلة، ويضيف الدكتور المسير إن الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل إن عقوبة السجن هذه في الحقيقة لا تقتصر على السجين فقط، بل هي عقوبة له ولجميع أفراد أسرته، فهو حرمان للزوجة من البقاء مع زوجها، وحرمان للأطفال من حنان وعاطفة الأبوة، وهذا كله مناف لمقاصد الشريعة الإسلامية التي تقصر العقوبة على الجاني فقط دون غيره. ويؤكد الدكتور المسير على أن أفضل الحلول الشرعية في عقاب الجاني تتمثل في الجلد أو الرجم أو القتل أي تطبق الحدود الشرعية. هل تقف الشريعة الإسلامية مع السجين؟ ولكن إذا كان هذا هو واقع الأمر في كثير من البلدان الإسلامية، فماذا عن حق الزوج المسجون تجاه زوجته وهل له في هذه الحالة الحق في الخلو بزوجته؟ ينبه الدكتور محمد رأفت عثمان الأستاذ بجامعة الأزهر أن العقوبة التي يقضيها المسجون هي عقوبة شخصية نظير خطأ وقع منه هو أو مخالفة ارتكبها، وبالتالي يجب ألا يتعدى أثر العقوبة لأسرته خاصة الحقوق الجنسية للزوجة. ويلفت الدكتور رأفت عثمان الانتباه إلى ثلاثة أمور هامة لبيان الحكم في هذه المسألة، فمن المسلمات أن زوجة السجين لم تنقطع صلتها به، بل الزوجية قائمة باقية ، ثم إن الغريزة الجنسية موجودة لدى الرجل المحكوم عليه بالسجن، وأيضا لا يجوز أن يتعدى أثر العقوبة لأحد خلاف الجاني المستحق لها كالزوجة وغيرها، ويبين الدكتور رأفت أنه من خلال ما سبق يتضح حق السجين في الخلوة بزوجته وضرورة توفير هذا الأمر له، لأن الرغبات والغرائز لا يصح إغفالها أو التغافل عنها. خاصة وأن تجاهلها وإهمالها يؤدي إلى تأثيرات نفسية وسلوكية غير سوية، وهو طريق آخر لانحراف السجناء، والحل الصحيح هو السماح بلقاء خاص في مكان مهيأ بين السجين وزوجته، إذ ليس في الشريعة الإسلامية ما يمنع من ذلك وفق ظروف إنسانية لا تخدش حياء السجين أو زوجته. الإهمال في حقوق السجين الزوجية طريق للانحراف وهذا الرأي الذي ذهب إليه الدكتور رأفت هو ما يراه الشيخ العباسي، حيث يضيف أن ما يحدث في كثير من السجون من انتشار اللواط بين السجناء وسائر الانحرافات الخلقية ما هي إلا نتيجة لإهمال مثل هذا الأمر وعدم مراعاته، أضف إلى ذلك نقطة أخرى خطيرة وهي أن الغريزة لا تقتصر على الرجل فقط بل هي أمر فطري في الزوجة، وإهماله وعدم مراعاته قد يؤدي إلى انحراف الزوجة وطلب تلبية هذه الغريزة بغير الطريق الشرعي لها، وهو يؤدي ولا شك إلى فساد المجتمع وظهور الزنى وغيره، وقد عملت الشريعة الإسلامية على سد كل الطرق المفضية إلى انتشار الفحشاء بين الناس، وعملت كذلك على حماية الفرد والمجتمع من طرق الغواية. ويؤكد كل من الدكتور رأفت والشيخ العباسي على ضرورة أن يكون هناك مكانا آمنا مجهزا يجتمع فيه الرجل بزوجته، بحيث لا يطلع عليهما أحد وأن يكون هذا بصفة دورية. الأفضل أن تتم الخلوة في غير السجن ومع موافقة الدكتور المسير للرأي السابق إلا أنه يعترض على إتمام الخلوة الشريعة بين السجين وزوجته داخل السجن لأن مثل هذا الأمر في نظر الدكتور المسير قتل للحياء وفضيحة أخرى لهما، ويقترح الدكتور المسير أن يخرج السجين كل فترة ليعيش بين أسرته في ظل حراسة مشددة، وهذا يشعره بالدفء الأسري الذي افتقده، مما يدفعه للعمل على تهذيب نفسه وخلقه، وفي هذا أيضا تقويم للأسرة كلها لتكون مانعة له من الانزلاق في الجريمة مرة أخرى، ونفس الشيء إذا كانت الزوجة هي السجينة. فتوى مفتي مصر بهذا الخصوص الجدير بالذكر أن فضيلة الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق، قد أصدر فتوى بهذا الخصوص أثناء توليه منصب الإفتاء، ومما جاء فيها إن السجن عقوبة شخصية وليس عقوبة جماعية لقوله تعالى: ولا تزر وازرة وزر أخرى أي أن العقوبة لا تنتقل إلى شخص آخر، ومن حق زوجة المسجون ألا تحرم من الحقوق الزوجية الخاصة؛ لأن الحياة الزوجية إذا استمرت بين الزوجين ولم تطلب الزوجة الطلاق بعد دخول زوجها السجن فمن المفروض أن تكون هناك حقوق زوجية شخصية خاصة بين الزوجين ـ أي المعاشرة الزوجية ـ حفاظا على الأسرة والأبناء . وأضاف فضيلته أن الخلوة الشرعية بين المسجون وزوجته ليست نوعا من الترفيه، بل هي واجب مثلها مثل الصلاة؛ لأن العلاقات الزوجية أحق عبادة كالصلاة والزكاة، وقمة العبادة هي ارتباط العلاقة الزوجية بما يحقق الغرض منها وهو بناء أسرة سليمة اجتماعيا ووجود النسل الصالح، مشيرا إلى أن توفير الخلوة الشرعية بين المسجون وزوجته سوف يحقق غرضين: الأول: توبة الشخص توبة نصوحا، لأنه سيكون مرتبطا بأسرته، وبالتالي سيحرص على عدم العودة للسجن مرة أخرى. الثاني: الحفاظ على الأسرة من التفكك والانحراف وخاصة الزوجة إذا كانت شابة صغيرة وليس لديها القدرة على الصبر على البعد عن زوجها. بعض الدول تطبق مبدأ خلوة السجين بزوجته هذا ومن المعلوم أن بعض الحكومات الإسلامية قد أخذت بمبدأ السماح باللقاء بين الزوج السجين وأسرته وإتاحة الخلوة بينهما، كما هو معمول به في المملكة العربية السعودية حيث أقيمت ملحقات سكنية مجهزة بجانب السجون يتم من خلالها وفق جدول معين السماح بالخلوة بين الزوج السجين وزوجته.