وجها لوجه... مع مرض السكري

يعد داء السكري من أكثر الأمراض المزمنة شيوعا حيث قدرت منظمة الصحة العالمية عدد المصابين به في العالم بحوالي 200 مليون مريض، ويتوقع أن يصل عددهم إلى 300 مليون في عام 2025م، بجانب عدد مماثل لديهم الاستعداد للإصابة بهذا الداء في أي وقت، وستشهد البلدان النامية الجزء الأكبر من هذه الزيادة، وبالرغم من خطورة هذا المرض المزعج ومضاعفاته الكثيرة وعدم إمكانية الشفاء منه إلا أنه يمكن السيطرة عليه وذلك بأن يلم المريض بدرجة كافية من الثقافة الصحية عن هذا المرض ليسهل عليه اتباع الإرشادات الطبية المتعلقة بالوقاية والعلاج، حيث إن كثيرا من المضاعفات والمتاعب التي يتعرض لها مرضى السكر ناجمة عن عدم معرفتهم بطبيعة هذا المرض. وسنقوم بجولة سريعة نحاول فيها الإجابة على بعض مايجول في خاطر الكثير من الناس وخصوصا مرضى السكري من تساؤلات حول هذا المرض وكيفية علاجه. ما السكري؟ السكري حالة مرضية مزمنة تتميز بارتفاع في مستوى السكر في الدم وظهوره في البول نتيجة انعدام إفراز هرمون الأنسولين الذي تفرزه خلايا بيتا الموجودة في البنكرياس، هذا الهرمون يعمل على تنظيم نسبة السكر في الدم وذلك بالالتصاق بأماكن محددة على جدار الخلايا الخارجية لإدخال الجلوكوز الموجود في الدم إليها لبدء عملية التمثيل الغذائي لإنتاج الطاقة اللازمة لوظائف خلايا الجسم، وإذا حدث نقص في إنتاج هرمون الأنسولين أو وجد خلل ما في الأماكن المحددة لهرمون الأنسولين على الخلايا فإن الجلوكوز لايستطيع الدخول إلى الخلايا بصورة طبيعية مما يؤدي إلى ارتفاع نسبته في الدم والإصابة بمرض السكري، ويترتب على زيادة السكر في الدم مروره بالكلى ومن ثم فرزه في البول. من أين يحصل الجسم على السكر؟ يأتي السكر من المواد الكربوهيدراتية وهي أكثر الأطعمة شيوعا في حياة الناس وتشمل بشكل أساسي: 1- النشويات: وهي مركبات شديدة التعقيد تتكون من ارتباط مجموعة من جزيئات الجلوكوز، ومن أمثلتها: الخبز والبطاطا والأرز والمكرونة وغيرها فعند أكل هذه النشويات فإنها تهضم في الأمعاء وتتحول بشكل أساس إلى جلوكوز. 2- السكريات الثنائية: وتتكون من ارتباط جزيئين فقط من السكر الأحادي، وأهمها السكروز (السكر العادي). 3- السكريات الأحادية: وتتكون من جزيء واحد من السكر وأهمها سكر الجلوكوز سكر العنب والفركتوز سكر الفواكه. ماهي أنواعه؟ هناك نوعان من داء السكري: النوع الأول: السكري المعتمد على الأنسولين وهذا النوع يصيب الأطفال والشباب وسببه في الغالب وراثي، ويحصل نتيجة تحطم الخلايا المسؤولة عن إفراز الأنسولين مما يؤدي إلى ضآلة أو توقف إنتاج الأنسولين، ويصيب هذا النوع 10- 15 ? من حالات داء السكري ويعتمد في علاجه على الأنسولين، وله مضاعفات خطيرة لذا يستوجب علاجه سريعا. النوع الثاني: السكري غير المعتمد على الأنسولين ويصيب عادة كبار السن نتيجة قلة إفراز الأنسولين من البنكرياس أو أن الأنسجة تفقد حساسيتها لفعالية الأنسولين، وهناك أهمية للعامل الوراثي في حدوثه، بالإضافة إلى زيادة الوزن كعامل أساسي في تسريع ظهوره، ويشكل تقريبا 90? من مجموع المرضى، علاجه الأساسي في الحمية الغذائية أو في الحبوب المخفضة للسكر، وفي بعض الحالات الخاصة يمكن إعطاء المريض الأنسولين. كيف يتم معرفة المصاب بالسكري؟ من الضروري اكتشاف داء السكري مبكرا حتى يتم السيطرة عليه بسهولة، وللأسف فإن أعراضه وعلاماته في بداياته خفيفة وغير محسوسة للمريض حيث لايدرك كثير من المرضى الذين تنتابهم هذه الأعراض أنهم مصابون بالسكري وهذا هو مكمن الخطر، ويمكن معرفة إصابة الشخص بالسكري عن طريقين: أولا: العلامات الظاهرة، ومنها: 1- زيادة عدد مرات التبول، وذلك بسبب وجود كمية كبيرة من السكر في البول يتم طرح كمية كبيرة من الماء معه. 2- العطش وجفاف الفم، وذلك لكثرة طرح الماء في البول. 3- نقص الوزن وخصوصا في النوع الأول، وذلك لأن كثرة طرح السكر في البول يزداد معه استهلاك المواد الدهنية والشحوم المختزنة في الجسم مما يؤدي إلى انخفاض الوزن. 4- حكة أو التهاب في الأعضاء التناسلية، وذلك لأن السكر مادة تساعد على نمو الجراثيم وخصوصا في المناطق الرطبة من الجسم. 5- زغللة في النظر. ثانيا: النتائج المخبرية: قد يصعب على المريض أحيانا الإحساس بالعلامات الظاهرة الدالة على إصابته، لذلك فإن الوسيلة الوحيدة للكشف عن السكري في بداياته هي قياس نسبة السكر في الدم عن طريق التحليل المخبري ويقال: إن هذا الشخص مصاب بداء السكري إذا كانت نسبة السكر في الدم أعلى من 7.8 مل مول لتر (140مليغرام 100 مل) إذا كان المريض صائما، وبعد وجبة الغداء بساعتين كانت أعلى من 11.1 مل مول لتر (200 مليغرام 100مل). ما هي مضاعفاته؟ يكمن الخطر في مرض السكري في مضاعفاته الخطيرة على الجسم، وتظهر المضاعفات حينما يهمل المريض مرضه، وقد تظهر بشكل حاد أو تتراكم في زمن طويل ومن أخطر مضاعفات السكري ما يحدث بسبب إصابة الشرايين الدقيقة والكبيرة بالجسم مثل: تصلب الشرايين وتلف شبكية العين والإصابة بالمياه البيضاء وارتفاع ضغط العين (الجلوكوما) والتأثير على الأعصاب والالتهابات والضعف الجنسي. هل من علاج ؟ حتى الآن لايوجد علاج شاف يقضي تماما على مرض السكري، والهدف من علاج مرضى السكري هو الحد من الأعراض وإيصال مستوى السكر في الدم إلى مستواه الطبيعي ومنع المضاعفات المحتملة. وهناك ثلاث خطوات لعلاج مرض السكري: الخطوة الأولى: الغذاء الصحي: يعد الغذاء الصحي مهما للمرضى المصابين بداء السكري ولايمكن الاستغناء عنه حتى ولو أخذ المريض أدوية السكر والأنسولين، ويختلف الغذاء المناسب من شخص لآخر حسب حالة المريض وعمره ووزنه والظروف المعيشية والعادات الغذائية وغير ذلك من الاعتبارات، لذا على مريض السكر مراجعة الطبيب المعالج واختصاصي التغذية لاختيار الغذاء الصحي الملائم والالتزام به حرصا على صحته وسلامته وعدم الانسياق وراء المجاملات الاجتماعية التي تكسر الحمية الغذائية. وينصح الاختصاصيون باتباع عشر نصائح يجدر الأخذ بها عند وضع برنامج للغذاء الصحي: 1- يفضل أن تكون الوجبات قليلة الكمية متعددة المرات لكي يظل امتصاص السكر قليلا ومديدا، ولكي لايشعر الشخص بالجوع الذي يؤدي إلى استهلاك كمية كبيرة من الطعام وزيادة الوزن ومن ثم ارتفاع السكر في الدم. 2- الغذاء الجيد يجب أن يكون متوازنا، بمعنى أن يحتوي على المركبات الأساسية وهي الكربوهيدرات والدهون والبروتينات بنسب جيدة ولا يطغى أحد المركبات على حساب الآخر. 3- الغذاء الصحي هو الذي يحتوي على كمية قليلة من السكريات والدهون وكمية كثيرة من الخضراوات والفواكه وكمية معتدلة من اللحوم والأسماك والنشويات. 4- الأطعمة المحتوية على الألياف مفيدة لمرضى السكر وغيرهم من الناس حيث تعمل الألياف على تخفيض نسبة السكر في الدم، وذلك لأنها تعمل على إبطاء عملية التفريغ المعوي للطعام والتقليل من امتصاص الدهون من الأمعاء، وهذه الألياف توجد بنسبة عالية في قشور الفواكه والخضار وبعض البقوليات مثل: الفول والفاصوليا وخبز النخالة. 5- يجب على مريض السكري تجنب- أو الإقلال من- السكريات سريعة الامتصاص في الدم مثل: السكر والمربيات والكعك والمشروبات الحلوة والشوكولاته والمشروبات الغازية والبوظة الأيس كريم والحلاوة الطحينية وعصير الفواكه المحلى وغيرها لأنها ترفع نسبة السكر في الدم. 6- من المفيد لمريض السكري تجنب الأطعمة المقلية واستبدالها بالأطعمة المشوية أو المسلوقة. 7- من الأفضل تناول الخبز الأسمر وذلك لأنه غني بالألياف التي تخفف من امتصاص الأمعاء للمواد السكرية. 8- من المهم أن يكون الحليب ومشتقاته خاليا من الدسم أو قليل الدسم. 9- على مريض السكر تناول الفواكه الطازجة كما هي دون عصرها، أما الفواكه المجمدة أو المعلبة فيجب التأكد من عدم إضافة السكر لها. 10- يجب الحد من تناول الدهون ذات الأحماض الدهنية المشبعة والأغذية الغنية بالكولسترول مثل السمن الحيواني والقشدة، واستبدالها بالدهون ذات الأحماض الدهنية غير المشبعة مثل زيت الزيتون وزيت الذرة وزيت جوز الهند. وقد أعد قسم الأغذية في كلية الطب بجامعة الملك سعود برنامجا غذائيا مقترحا لمرضى السكري . الخطوة الثانية: التمارين الرياضية: وهي الخطوة الثانية المهمة في علاج السكري، حيث إن ممارسة الرياضة تؤدي إلى زيادة معدل حرق السعرات الحرارية في الجسم، وبالتالي سهولة تخلصه من الشحم الزائد وتصبح الخلايا أكثر تقبلا للأنسولين مما يساعد الجسم على التخلص من بعض السكر الزائد في الدم، كما تنشط التمارين الدورة الدموية وتقوي ضربات القلب، بالإضافة إلى أن الرياضة ترفع الروح المعنوية للمريض وتحد من التوتر وتجعله يشعر بمزيد من النشاط والحيوية التي لها أثر في خفض سكر الدم. وهذه عشر نصائح مهمة عند وضع برنامج لممارسة الرياضة: 1- قبل البدء بالتمارين الرياضية يجب استشارة الطبيب المعالج لتحديد نوع التمارين الرياضية ووضع هدف معين يحرص على الوصول إليه بناء على الحالة الصحية والوزن، وقد يحتاج إلى إجراء فحص طبي شامل قبل مزاولة الرياضة. 2- يستحسن اختيار الرياضة المناسبة التي يحس الشخص بالمتعة عند ممارستها، أو القيام بالتمرين بصحبة شخص آخر حتى يستطيع الاستمرار في أدائها. 3- اختيار المكان المناسب لممارسة الرياضة والتنوع فيها أمر مهم للاستفادة من هذه الرياضة واستمراريتها، فيمكن ممارسة الرياضة مرة في المنزل ومرة في الأماكن العامة وفي المراكز الرياضية. 4- الرياضة التي تمارس بإيقاع مستمر من الاسترخاء والانقباض أو مايسمى بالرياضة الإيقاعية، كالمشي والجري والسباحة وركوب الدراجة من أفضل أنواع الرياضة. 5- عند القيام بالتمارين الرياضية لأول مرة يفضل البدء بفترة قصيرة ثم تضاعف الفترة بشكل تدريجي، كما يفضل إجراء تحليل للسكر قبل بدء التمارين وأثناءها أو بعدها للتأكد من عدم انخفاض مستوى السكر. 6- يفضل مزاولة التدريبات الرياضية لمدة تتراوح من 20 دقيقة إلى 60 دقيقة ثلاث إلى خمس مرات أسبوعيا. 7- من المفيد الإحماء قبل التمارين وإنهائها تدريجيا مع ممارسة الرياضة بانتظام وبدون توقف إلا في الحالات الضرورية. 8- يستحسن لبس حذاء رياضي مناسب عند أداء الرياضة لتقليل الأذى الواقع على المفاصل والعضلات. 9- من المهم شرب كمية كافية من السوائل أثناء- وبعد- أداء التمارين الرياضية. 10- يجب التوقف مباشرة عن أداء التمارين عند الإحساس بألم أو دوار أو صعوبة في التنفس أو شعرت بأي عرض لانخفاض السكر في الدم.