المأذون الشرعي .. وافتراءات الأفاكين !!

كان الزواج في القديم يتم ببساطة شديدة، فليس هناك تسجيل لعقود الزواج ولا بيانات مكتوبة ولا دفاتر، وإنما كان الأمر يتم شفهيا بحضور الشهود والأولياء ويتم إعلانه للناس جميعا. ومع مرور الوقت استحدثت عملية تسجيل أسماء الأزواج عند القضاة، ويعتقد أن بداية ذلك كانت في عصر العبيديين الذين حكموا مصر، ومع كثرة أعمال القضاة وتشعب مسؤولياتهم أسند هذا الأمر إلى شخص آخر يقوم بتسجيل هذه البيانات تحت إشراف القاضي. تطور وظيفة المأذون أما في بداية العصر الحديث بدأ ما يعرف بالمأذون الشرعي وهو عاقد الأنكحة وأول تنظيم لهذا الأمر عرف في مصر وذلك في عام 1899 م حيث صدرت لائحة تضع نظاما لمن يشغل هذه الوظيفة، واشترط وقتها أن يكون المأذون من علماء الأزهر، وأن يكون حنفي المذهب، وأن يكون من أهل المنطقة التي يعمل بها، وأن يتم شغل هذه الوظيفة بإجراء انتخابات بين المتقدمين. وفي عام 1956م بعد إلغاء القضاء الشرعي صدرت لائحة أخرى لعمل المأذونين، كان من ضمنها منع المأذون من الجمع بين وظيفته وأي وظيفة أخرى إلى غير ذلك. المأذون شخصية هزلية !! والملاحظ أن السينما العربية قد دأبت منذ زمن في إظهار المأذون الشرعي بصورة غير لائقة، وبأنماط سلوكية غير سوية، فهو شخصية أكولة يسيل لعابه لرؤية الطعام، وإذا تحدث فإنه يتحدث باللغة العربية الفصحى لكن بشكل يحمل على الاستهزاء به والسخرية من اللغة العربية، أما مشيته وحركاته وإشاراته فإنها تدل على أنه رجل غير متزن ولا سوي. ومع هذا كله، فكم من المرات يظهر فيها المأذون وهو يشارك في زواج باطل شرعا، أو يطلق امرأة عنوة من زوجها ليزوجها لغيره من الكبراء مثلا أو نحو ذلك، ناهيك عن ذاك الدفتر الكبير الذي يحمله وهو يرتدي زي العلماء الأزهريين خاصة العمامة لماذا كان المأذون هو الضحية وإذا كانت هذه الصورة للمأذون هي الصورة التي تتحدث عنها وسائل الإعلام المرئية بالذات، فلماذا المساس بالمأذون ولماذا كل هذه الحملة عليه؟ إن من المفترض أن يكون لدى المأذون علم شرعي في أحكام الزواج والطلاق نظرا لطبيعة عمله، بالإضافة إلى أنه في العادة يكون متخرجا في الأزهر، وعلى هذا الأساس فإن السخرية منه تعني في الحقيقة السخرية من علماء الدين بأسلوب غير مباشر، نظرا لانتساب المأذون الشرعي ولو من بعيد إليهم، خاصة عندما يصور المأذون بلباس العلماء والأزهريين، ومعلوم أن لباس العلماء لا يلبسه غيرهم، فالسخرية مع مرور الوقت تمسهم بلا شك وتؤثر في نفوس الناس وهو أمر معلوم ومشاهد. إن هؤلاء المغرضين لم يجدوا الفرصة مواتية ليسخروا من العلماء أنفسهم ولا من الدين الإسلامي مباشرة تجنبا لردود فعل الجمهور، فاستغلوا هذه الشخصية التي هي في الحقيقة ليست من العلماء وإن كان لها علاقة بهم ليمسوا الدين والعلماء عن طريقها، حتى ارتبط ذلك مع مرور الوقت عند كثير من المشاهدين أن كل رجل يرتدي الجبة والعمامة والقفطان الأزهريين ينبغي ألا نتوقع منه غير سلوك هزلي كالذي يشاهد على الشاشة، ومن ثم لا نحترمه، وبالتالي لا نحترم ما يحمله من مضمون فكري يمثل جزءا مهما من الثقافة الإسلامية. المأذونون والثورة على الأوضاع وقد دعا الاستمرار في مثل هذه العروض التي تصور المأذون بشكل ساخر وغير لائق، وفيه إهدار لقيمته المعنوية والأدبية، واعتباره من المنتسبين للعلم وهو ليس كذلك، ولكنه وفق القانون يقوم بدوره نيابة عن القاضي، أقول إن هذا تسبب في قيام ما يقارب من 100 من هؤلاء المأذونين في مصر بكتابة مذكرة احتجاج قدمت لوزيري العدل والإعلام،أصالة عنهم ونيابة عن زملائهم، وقد تضمنت المذكرة ذكر الوقائع المهينة التي تصورها تلك الأفلام والمسرحيات وغيرها، مطالبين فيها باتخاذ إجراءات صارمة لوقف تلك الهجمة الشرسة من الإعلام على المأذونين. فهل يعي الناس تلك الحقيقة، وهل يعود للمأذونين صورتهم الحقيقية التي تمليها عليهم خطورة الوظيفة التي يقومون بها؟