العـين بين اللغة والإشارة في أذهان شعراء العرب

لم يحتل جزء في الجسد الإنساني مثلما احتلت العين في التراث العربي من شعر ونثر، ولقد كان لطبيعة الحياة العربية القديمة أثر كبير في ظهور ما يسمى بسلوك العين سواء على مستوى اللغة أو الإشارة. وجاءت أشعار العرب تعبر عن هذه اللغة الخاصة بدلالاتها النفسية الاجتماعية، وقد تعددت الشواهد التي تنقل كلام العين فى التراث العربي، وتباينت أشكالها بين الشعر و النثر، وكثر قول العين حتى غدت معها مرادفة للفم فى العمل و التواصل. فقال ابن الأعرابي : العين تبدي الذي في نفس صاحبها من الشـــناءة أو ود إذا كانــــا إن البغيض له عين يصـد بهــا لا يستطيع لما في الصــدر كتمانـــا العين تنطق والأفواه ســاكنة حتى تـــرى من ضمير القلب تبيانــا والعين تخبر بطريقتها، وتقول على سجيتها، وتتجاوز اللسان فى صدق خبرها: متى تك في عدو أو صديق تخبرك العيون عن القلوب والعين تنادي العين، فتتعدى التعبير الانفعالي : دعا طرفه طرفي فأقبل مسـرعا فأثر فى خديه فاقتص من قلبي شكوت إليه ما ألاقي من الهوى فقال على رغم فتنت فما ذنبي وعمر ابن ربيعة تكلم كثيرا بعينيه بدلا من لسانه، وفي الساعات العصيبة تزل عينه فى كلامها كما يزل اللسان، فيفتضح حاله: أيــام هند لاتطيع محرشا خطل المقال وسرنا لا يعـلم وعشية حبست فلم تفتح فما بكلامها من كاشح يتنمـم نظرت إليك وذو شبام دونها نظرا يكاد بسرها يتكلـم وفي أجمل ما قيل عن كلام العين، حيث امتزاج الإشارة بالكلمة بالصوت، فتبدو لغة العين وكأنها لغة حقيقية تسمع وترى، كما في قول عمر ابن أبي ربيعة: أشارت بطرف العين خيفة أهلهـا إشارة محزون ولـم تتـكلم فأيقنت أن الطرف قد قال: مرحبا وأهلا وسهلا بالحبيب المتيم