جبل الطاولة

باستثناء الدول العربية (في شمال أفريقيا) لم أزر أيا من دول أفريقيا السمراء حتى عام 2016، (جنوب أفريقيا) بالذات كانت تحتل دائما المركز الأول ضمن قائمتي المؤجلة للدول الأفريقـية.. كنت أحلم بزيارتها لصعود جبل الطاولة، وزيارة رأس الرجاء الصالح، ورؤية الدولة التي أنجبت أعظم شخصيتين نضاليتين في عصرنا الحديث (غاندي، ونيلسون مانديلا).

وفي مارس من ذلك العام، تلقيت - من دون سابق تخطيط - دعوة لزيارة جنوب أفريقيا من شركة أكوا باور لمعاينة مشروع باكبورت، الذي كان حينها أكبر مشروع لاستخلاص الطاقة الشمسية في العالم.. غير أن قصر مدة الزيارة، ووجود المشروع في منطقة نائية، لم يشجعاني في البداية على الذهاب، إلا أنني عدلت عن رأيي بعد موافقة الشركة على تمديد عودتي أسبوعين، وتغيير وجهة القافـلة بحيث تنطلق وتعـود إلى كيب تاون.. بدل جوهانسبيرج.

وقد لا تكون كيب تاون أهـم عاصمة في البـلاد، التي تملك ثلاث عواصم، غير أنها المدينة الأجمل والأكثر عراقة فـي جنوب أفريقيا كلها، بدأت كمرفأ تتوقف فيه سفن الاستكشاف الأوروبية المبحرة لشرق أفريقيا والهند وجنوب آسيا.. تأسست عام 1652 على يد الهولنديين، الذين لا يزال أحفادهم يعيشون فيها حتى اليوم، وتعد أقدم منطقة يستوطنها الأوروبيون في قارة أفريقيا.. وفي عام 1806 انتزعها منهم الإنجليز وجلبوا لجنوب إفريقيا أجناسا كثيرة من إمبراطورتيهم التي لا تغيب عنها الشمس، وهو ما يفسر وجود المسلمين الهنود والمالاويين فيها.

واليوم، تتمتع كيب تاون بتنوع عرقي وديني رائع، لا تجده في أي مدينة أفريقية أخرى.. من أبرز معالمها حي بوكاب، الذي يعيش فيه المسلمون الذين جلبهم الهولنديون من إندونيسيا، ويعـد لوحة فـنية ترسمه واجهات بيوته الملونة.. مظاهر الترف التي لا يمكن إخفاؤها في حي سي بوينت الأوروبي، تناقضه مظاهر الفـقـر، التي تشاهدها في مدن الصفيح حول المدينة، وتستقطب المهاجرين من أطراف أفريقيا.. حين تتجول في شارع «لونج ستريت» تشعر بالارتباك لوجود تمازج غريب بين المباني الأوروبية ذات الطابع الفيكتوري، ورسوم الجرافيتي الأفريقية وأسلوب الحياة البوهيمي للمحال والمقاهي وزوار الشارع نفسه.

أضف لهذه المعالم الثلاثة، التي يفترض لأي سائح زيارتها، هناك جبل الطاولة ورأس الرجاء الصالح على أطراف كيب تاون.

رأس الرجاء الصالح سبق وكتبت عنه مقالا فـور عودتي من جنوب أفريقيا، وتجده في النت تحت الاسم نفسه.. أما جبل الطاولة فـتم اختياره في 11/11/2011 ضمن عجائب الدنيا الجديدة من خلال ترشيحات مليونية ومارثوانية مضنية.. ففي عام 2007 طلبت مؤسسة سويسرية تدعى New7 Wonders Foundation من سياح العالم ترشيح عجائب طبيعية جديدة عبر موقع إلكتروني خاص بها.. وفي عام 2010، أعلنت قبول 440 موقعاً من مختلف الدول، من بينها البحر الميت في فلسطين، ومغارة جعيتا في لبنان، وجزيرة بوطينة في الإمارات.. وفي عام 2011 اختار مليون مشارك في المرحلة النهائية سبعة مواقع طبيعية فقط، زرتها كلها، من ضمنها جبل الطاولة في جنوب أفريقيا.

والجبل نفسه يعد بمنزلة تـلـة صخرية فسيحة ومستوية من الأعلى كسطح (الطاولة).. يتجاوز ارتفاعه 1084 مترا، وعرضه 3000 متر، بحيث يبدو، حين تراه من الأسفل، كستارة هائلة تهيمن على المدينة.. ويعـد الجبل بأكمله حديقة وطنية؛ بسبب ندرة النباتات التي تنمو فوقه فقط؛ كما يعد أبرز معلم سياحي في جنوب أفريقيا، ولا تكتمل زيارة (كيب تاون) من دون رؤيتها من فـوقه..

بقلم/ فهد عامر الأحمدي - الرياض