معايير العظمة

لا يمكننا الحكم على البشر إلا من خلال الإنجازات التي تخدم "البـشـر"..

لا يمكننا الحكم على العظماء إلا من خلال الإضافات الإيجابية التي قـدموها للبسطاء..

لا يمكننا الحكم عليهم من خلال جنسياتهم ودياناتهم كون إنجازاتهم تصبح ملكاً للبشرية جمعاء..

.. لهـذا السبب أحترم عظماء وعلماء وأطباء خدموا الناس، وأنقذوا الأرواح، وأضافوا لحصيلة المعرفة.. ولنفس السبب أكـره فاتحين وطغاة (من شاكلة نابليون وهولاكو وهتلر والإسكندر الأكبر)؛ لأنهم على العكس تماماً قـتلوا الملايين، وشردوا الملايين، وسببوا البؤس للـملايين.. ولم يقدموا في المقابل أي إضافة إيجابية للبشر..

غـير أن مسألة الحب والاحترام لا تلغي وجود هـذين النوعين المتناقضين من العظماء.. لا تلغي حقيقة أنهما طفرة استثنائية وحالة مختلفة عن "الأسوياء"..

هؤلاء "المختلفون" هم من نضطهدهم خلال حياتهم بتهمة التحريض والتمرد، ونحترمهم بعد وفاتهم بوصفهم عظماء وعباقرة سبقوا زمانهم..

هؤلاء هم الذين أثـاروا اهتمامي منذ الطفولة - لدرجة ظننتهم من أفراد الأسرة - وسطرت من أجــلهم كتاب "الله وحده قادر على صنعهم"..

المشكلة التي ستواجهك (كما واجهتني) هي الاتفاق على معـايير الاختيار، ومقاييس التميز...

فما تعريفك أنت مثلاً للشخصية العظيمة؟

كيف ترتب شخصيات التاريخ في قائمة لا يختلف عليها أحد..؟

كيف تميز بين العظيم، والعبقري، والطاغية، ومن قــدم اكتشافاً مهماً..؟

هل تعتـمد عظمة الإنسان على قـوة تأثيره، أم عـمق تغـييره، أم أهـمية إنجازه للناس..؟

.. أنا شخصياً وقفت حائراً أمام هذه الأسئلة أثناء إعدادي للكتاب.. ولكنني في النهاية قررت تجاهل الطغاة والفاتحين والقادة العسكريين؛ لأنني لا أحترمهم، وأصنفهم كمجرمين وسفاحين أبادوا الشعـوب ودمروا الأوطـان.. وفي المقابل اخترت التعريف بعـباقرة وعلماء وأطباء شبه مجهولين، رغــم أنهم أنقذوا حياة الملايين.. قررت الالتزام بهذا المعيار؛ لأنني على قناعة بأن قيمة الإنسان تساوي مجموع أفضاله على الناس، تحدثت أيضاً عن أديسون (الذي قدم للبشرية أكثر من ألف اختراع)، ومحمد يونس (الذي ابتكر بنوك الفقراء وساهم في نشرها حول العالم)، وتسايلون (الذي اخترع الورق وساهم في نشر المعرفة)..

.. باختصار؛

قــد يختلف تقييمنا للعباقرة ورأينا في العظماء، ولكنني على قناعة بأن قيمة الإنسان في النهاية = تساوي مجموع أفضاله على الناس..

بقلم/ فهد عامر الأحمدي - الرياض