القافلة تـســير

في حال استثنيت اليمن (الذي لم يعد سعيداً) ستكتشف أن الجزيرة العربية كانت طوال تاريخها تعيش حالة قحط وفقر وشح في الأموال والثمرات.. أثناء الفتوحات الإسلامية هاجر منها معظم الصحابة والمجاهدين والفاتحين العرب واستقروا في البلدان المفتوحة.. كانت مصر والعراق وبلاد الشام بمثابة جنان يصعب على من يراها العودة مجدداً إلى موطنه الأصلي داخل الجزيرة العربية.. لهذا السبب انتقل مركز القوة والقرار السياسي بسرعة ــ وفور انتهاء الخلافة الراشدة ــ إلى دمشق وبغداد والقاهرة وإسطنبول وقرطبة (ولم تعد منذ ذلك الحين إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة رغم احتفاظهما بمكانتهما الروحية في قلوب المسلمين)...

حين تفتح كتب التاريخ تلاحظ أن خرائط الدولة الأموية والعباسية والعثمانية تشمل الحجاز فقط (لتضمنه المدينتين المقدستين) وتتجاهل تماماً بقية المناطق بسبب القحط والفقر وقلة السكان وعدم وجود ما يغري باحتلالهما.. كان التوغل في وسط الجزيرة العربية مغامرة لا تضمن البقاء وتتطلب سرعة المغادرة (وأول محاولة فاشلة كانت للإسكندر الأكبر وتسببت في تمرد قادة الجيش المقدوني عليه، وآخر محاولة فاشلة انتهت بعودة سريعة لجيش إبراهيم باشا بعد تدمير الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى)..

... المرة الوحيدة التي ازدهر فيها وسط الجزيرة العربية وانتقلت إلـيها مراكز القوة والقرار السياسي كانت تحت حكم آل سعـود (وهي ملاحظة سمعتها قبل أعوام من الأستاذ تركي السديري خلال حديثه مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان).. ازدهرت الجزيرة العربية مع الدولة السعودية الأولى، وعادت مع الدولة السعودية الثانية، وما زالت قائمة مع الدولة السعودية الثالثة.. واليوم أصبحت جزيرة العرب (التي تشكل السعودية معظم مساحتها) ذات تأثير ونفوذ لا يخفى في العالمين العربي والإسلامي والدولي.. وبعد أن كانت منطقة فقيرة طاردة للسكان، أصبحت جاذبة لأكثر من تسعين جنسية عالمية ويتمتع سكانها بمداخيل فردية عالية.. أصبحت الدولة السعودية الحديثة حجر زاوية في المحافل الدولية والقرارات الأممية بفضل حجمها الاقتصادي ووزنها السياسي وثقلها المعنوي.. أصبحت تضم العدد الأكبر من أثرياء العالم العربي (وبمعدل يتجاوز ضعف عددهم في الإمارات أقرب منافس لها) وغدت العضو العربي الوحيد في قمة العشرين التي تضم أكبر اقتصاديات العالم.. وبعد أن أصبح مؤكداً امتلاكها لأكبر مخزن نفطي ووقود أحفوري في العالم، في طريقها اليوم لتصبح منجماً للمعادن الاستراتيجية ومالكة لأضخم صندوق سيادي بين أمم الأرض ...

... تفاءلوا أعزائي.. فـالقادم أجمل، والأرقام لا تكذب، والقافلة تسير رغم نباح الكارهين..

بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض