جدلية المصلحة والفكرة والمجتمع

الكلام التالي يشمل بعض الفلسفة و التنظير ينصح بفنجان قهوة قبله أو أثناء قراءته.. 

يدخل مجموعة عندها فكرة ما (سواء ضارة أو مفيدة) على مجتمع ما و يكون أمام شخصيات و أفراد ذلك المجتمع عدة خيارات أبرزها:

1- خيار القوة الديكتاتوري: يتمثل في صد أصحاب الفكرة  وقمعهم بالقوة وهذا دليل تفوق القوة المادية لذلك المجتمع وليس بالضرورة قوة فكرتهم الخاصة بهم ومنطقهم وعلمهم وغالبا لن ينهي القمع ذلك الفكر المطروح عليهم سواء كان سويا وصحيا او لا بل ربما يجعله مرغوبا بالسر أحيانا.

2- الخيار السهل: حين يقرر أغلبية المجتمع إغلاق أعينهم  وأذانهم والتقوقع في بيوتهم و منع أولادهم ومن يخصهم من الأفراد من التفاعل مع ذلك الفكر وقبوله ان كان صالحا أو رفضه إن كان طالحا.

هذا يسمح للفكرة المطروحة بالانتشار التدريجي حيث لم تجد ما يقابلها ولم يحصل عليها اي نقاش و ربما تطورت لغسيل دماغ كامل.

 (من الخيارات السهلة للكثير عدم المشاركة في النشاطات الاجتماعية العامة أو حتى بعضهم تطرف و ابتعد عن العلم "المادي" وهذا الخيار غالبا يكون سببه فهم خاطيء للدين ،في معظم الأحيان.

3- الخيار الصعب التفاعلي أو خيار العمل: يتلخص في التفاعل مع الفكرة والأشخاص الطارحين لها و نقاشها  والتوعية منها إذا كانت تضر المجتمع و نشر الأفكار المقابلة لها. 

هذا الخيار يتطلب عملا و جهدا ويعتمد على وعي المجتمع ككل أيضا فإن تقبل المجتمع أفكارا تحوي مبادئ خاطئة فالمجتمع نفسه يحتاج لعمل توعوي و تعليمي و لا يجب إلقاء اللوم على الفكرة التي كشفت هذا الشيء و إن رفض المجتمع هذه الفكرة نظرا لمبادئها الفاسدة فهذا دليل على أن المجتمع ككل بخير.

يحصل في كل هذه المراحل ،خاصة في الخيار الثالث، صراع بين مصلحة أصحاب الفكرة وفكرتهم المطروحة  والمجتمع. 


فإن كانت مصالحهم (المادية) ستتأثر سلبا حيث لن يتعامل معهم المجتمع بسبب فكرهم حينها سيتم التراجع عن الفكرة تغليبا للمصلحة ،بشرط أن تكون الفكرة هنا مادية، حيث أنه تم تقييمها مقابل المصلحة.

أما إذا كانت الفكرة غير مادية ،بمعنى روحية فلسفية إيمانية، فالجدلية والصراع مع المجتمع سيكون أصعب و لن يؤثر بها و يذيبها إلا الخيار الثالث ( التفاعل و العمل) وربما ينتهي المطاف بتأثر المجتمع بها أو جزء منها ويحصل اندماج بين تلك الفكرة و المجتمع و أفكاره. 

نظريا -و حسب رأيي الشخصي- الخيار الأول يزيد ويشجع على الديكتاتورية التي قد تنقلب يوما ما على ذلك المجتمع نفسه (عندما تتجلى جدلية القوة و الفكرة والمجتمع) و ربما تتعامل معه بنفس ما سبق و سمح و تعامل به و هو القوة ويصبح ذلك المجتمع هو الضحية.

الخيار الثاني (السهل) سيؤدي في حال ما لوجود فراغ  وهذا الفراغ ستملأه أفكار قد تتطور و تتفاعل مع بعضها ثم تصبح طوفانا جارفا لكل من أغلق عينه و أذنه و دفن رأسه في الرمال حتى لا يرى ما يجري ما يحصل من حوله.

الخيار الثالث هو الأفضل من وجهة نظري حيث أنه يشجع الجميع على التدافع الجيد و التفاعل وهذا التضارب في الأفكار إما سيصحح مفهوما مغلوطا أو سيساهم في تطوير أفكار قديمة في المجتمع و في أسوأ الحالات ربما يتراجع بالمجتمع و يصيبه بمرض ما و لكن سينكشف ذلك المرض لاحقا ويتم علاجه عند دخول فكرة منافسة معالجة لهذا المرض و أفضل ما في الموضوع أن هذا الاختيار الثالث لن يفعل القوة الديكتاتورية التي لا يؤمن جانبها على المجتمع.

بقلم: محمود الجسري