لا تقف متفرجاً

حين تمر وحيداً في الطريق وترى رجلاً يضرب طفلاً فإنك في الغالب ستتدخل لإنقاذ الطفل.. ولكنك لن تتدخل (أو ستتدخل متأخراً) حين تشاهد أشخاصاً حضروا قبلك ولم يتدخلوا قبل حضورك..

في مارس1964 وقع حادث اغتصاب وطعن لامرأة تدعى كاثرين سوزان تسبب في وفاتها لاحقاً.. ورغم صراخها المتواصل واستنجادها بجيرانها لنصف ساعة لم يتدخل أحد لمساعدتها. وبعد أن أنهت شرطة نيويورك تحقيقاتها اتضح أن 38 شخصاً من جيرانها شاهدوا الحادثة (و14 آخرين كانوا ينظرون من النوافذ) ومع هذا لم يتدخل أحد أو حتى يتصل بالشرطة والإسعاف..

واليوم أصبحت هذه الظاهرة تعرف باسم تأثير المتفرجين (أو متلازمة كاثرين سوزان) حيث يقل احتمال المساعدة كلما زاد عدد الشهود.. ينتظر كل متفرج تدخل شخص آخر غـيره، ويتوقع كل شخص أن أحداً ما سيتصل بالشرطة أو الإسعاف (فتكون النتيجة عدم المساعدة، وعدم الاتصال)!!

..وبعد هذه الحادثة نظم العالمان بيب لاتان وجون دارلي من جامعة كولومبيا سلسة تجارب لفهم هذه الظاهرة. أجروا تجاربهم في الشوارع لمعرفة ردود أفعال المارة وكيفية تصرفهم في الحالات الطارئة.. تنوعت الحوادث التمثيلية بين رجل يضرب امرأة، وتصاعد الدخان من النافذة، واستغاثة طفل من منزل مجاور.. وفي النهاية لوحظ أنه كلما ارتفع عدد الشهود قلت فرصة تقديم المساعدة (أو تأخرها) في حين ترتفع نسبة المساعدة وسرعة التدخل بوجود شخص أو اثنين فقط..

ورغم أنهم وضعوا جداول توضح العلاقة بين عدد المتواجدين ونسبة التدخل، اتضح أن هناك ظروفاً أخرى يمكنها التأثير على نسبة وسرعة المساعدة.. فخطورة الحالة، وجنس الضحية، وعلاقة المعتدي بالضحية، والفكرة المسبقة عن الحي والشارع؛ جميعها عوامل إضافية أثرت على تصرفات المارة.. ففي إحدى التجارب مثلاً تقدم 65 % من المارة لمساعدة امرأة تقول: "ابتعد عني أنا لا أعرفك" في حين لم يتقدم لمساعدتها سوى 19 % حين كانت تقول:"ابتعد عني لا أعرف لماذا تزوجتك".. وفي حالة أخرى تدخل 88 % من المارة لمساعدة طفل يضربه رجل في حين لم يتدخل سوى 29 % حين كانت هناك امرأة تبدو كــأم تقف قربهما (ولكن في جميع الحالات، كان هناك دائماً شخص شجاع يتقدم أولاً للمساعدة فـيتبعه بقية المتفرجين)..

ـــ والآن ؛ ماذا نستفيد من هذا المقال؟

أشياء كثيرة أهمها أن معرفتك بهذه الظاهرة يجعلك مهـيئاً للتصرف بشكل أفضل في المواقف القادمة.. لا يجب أن تنتظر أو تتردد أو تفترض أن الآخرين على صواب لمجرد أنهم وصلوا قبلك.. معرفتنا بــ"تأثير المتفرجين" يجعلنا أكثر وعـياً بمسؤولياتنا الاجتماعية وأكثر شجاعةً في تقديم المساعدة وتبليغ الجهات المعنية.. افتراض أن هناك من سيقوم (بدلاً منا) بهذا الدور سينتهي بعـدم قيام أحد بهذا الدور رغـم كثرة المتجمهرين.. والمصورين.

بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض