(لـو) التي تفتح عمل الشيطان

نتداول كثيراً مقولة «لــو تفتح عمل الشيطان» لدرجة لا يعرف معظمنا أنها حديث نبوي صحيح .. حديث طويل ورد في صحيح مسلم وأحمد وابن ماجة ينتهي بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم «إن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل، فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان».

غير أن المقصود هنا بكلمة «لـو» هو الاعتراض على قضاء الله وقدره (كأن تقول: لو ربـط حزام الأمان لما توفي) في حين أنها جائزة ومقبولة في أي سياق لفظي آخـر (كأن تقول: لو أنني علمت بمجيئك لانتظرتك) ..

ليس أدل على ذلك من استخدام «لــو» (وهي حرف شرط وتمني) في آيات وأحاديث كثيرة مثل قوله تعالى: (لــو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) و (لولا إذا دخلت جنتك) و (لـو أنزلنا هذا القرآن على جبل) و (لو كان البحر مداداً لكلمات ربي) .. كما وردت كلمة «لو» ضمن أحاديث نبوية كثيرة مثل: اتقوا النار ولو بشق تمرة .. ولو استقبلت من أمري ما استدبرت.. ولو كنت راجما بغير بينة رجمتها.. لو تأخر الهلال لزدتكم.. لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون...

... وبهذا الخصوص يقول القرطبي:

المراد بالحديث التسليم لأمر الله والرضا بما قدر والإعراض عن الالتفات لما فات. لأنه إذا فكر في ما فاته فقال لو أني فعلت كذا لكان كذا جاءته وساوس الشيطان فلا تزال به حتى يفضي إلى الخسران وهذا هو عمل الشيطان المنهي عن تعاطي أسبابه وليس المراد ترك النطق بـ «لو» مطلقاً.. فإن مثل هذا لا يختلف في جواز إطلاقه وليس فيه فتح لعمل الشيطان ولا ما يفضي إلى تحريم (انتهى كلامه)...

من هذا كله نفهم جواز استعمال كلمة لــو وأنها ليست محرمة لذاتها وأن الاستثناء الوحيد هو استعمالها للاعتراض على مشيئة الله مثل قول الكافرين : (وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا)!!

.. بقي أن أشير إلى أن كل ما سبق كان «مقدمة» طالت حتى تحولت إلى مقال مستقل (ولا تستغرب ذلك، فمقدمة ابن خلدون طالت حتى غدت أهم من الكتاب ذاته).. ضيق المساحة يجبرني على التوقف والاكتفاء اليوم بتوضيح الفرق بين لـــو كحرف شرط وتمني وبين لــو التي تفتح عمل الشيطان..

... في المقال القادم سأخبركم بكيفية استخدام (لــو) لفـتح نوافذ الإبداع وتوليد الأفكار واقتحام مجالات جريئة وغير مسبوقة...

بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض