تويتر الذي شوهناه

ظهر تويتر عام 2006 من خلال شركة أوبفيوس الأميركية، وفي عام 2012 ظهرت نسخته العربية وتحول لمنبر شعبي في السعودية.. تركنا من أجله الفيسبوك (الذي لايزال متصدرًا في الدول الأخرى) وأصبحنا من أكثر شعوب العالم استخداماً لتويتر.. قد تتفوق علينا أميركا واليابان في عدد التغريدات ولكننا نتفوق على الجميع في نسبة الاستخدام.. فـ90 % ممن يدخلون الإنترنت في السعودية يمرون على تويتر، و26 % يقضون فيه أكثر من ساعتين.. تجاوزت نسبة نموه في عام 2013 حاجز 3000 % وأصبحنا نبث يومياً أكثر من 50 مليون تغريدة...

أسباب كثيرة جعلتنا نقبل على تويتر أهمها افتقادنا لمنابر تعـبير شعبية.. أصبحنا نفضله على الفيسبوك لأننا (متحفظون) لا نرغب بكشف تاريخنا وصورنا وأوراقنا كلها..

صحيح أن وسائل تواصل أخرى بدأت تزاحمه (خصوصاً الانستجرام والسنابشات) ولكن لا يبدو أن أحدًا يأخذها بجدية كبيرة.. ظل تويتر المنصة الأبرز للرأي (خصوصاً بعد توثيقه من قبل صاحبه). ليس أدل على ذلك من وجود أنظمة وتشريعات تحاسب الناس على آرائهم في تويتر.. من وجود مؤسسات (حكومية وأهلية) تستغله لمتابعة آراء الناس وميول المستهلكين وتوجهات المجتمع..

ولكن مجرد وجود من "يراقب" و"يرصد" شوه جمال تويتر وحوله من منبر شعبي، إلى منبر لرصد الرأي الشعبي.. تنبه الخبراء والمشاهير لدوره في تشكيل الآراء فركبوا موجته، واستغلوا شعبيته لصالحهم.. كانوا السباقين لاستخدام برامج وتقنيات تحشد المتابعين وتجيش المؤيدين بطرق لا يعرفها معظم الناس.. ورغم أنهم لا يشكلون سوى 5 % من مستخدمي تويتر، أصبحوا يقودون ويوجهون الــ95 % (المتبقين).. يلجؤون في ذلك لأساليب تجمع بين علم النفس، وشراء المتابعين، والتنسيق بين الحسابات، وإعادة التغريد بطريقة آلية (لدرجة تتجاوز إعادة التغريدة عدة آلاف خلال ساعتين).. يدركون أن من طبيعة "الجمهور" اتباع أول شخص يعـبر عن رأيه (ويحدث ذلك حتى في المظاهرات حيث يردد الناس أول شعار يقال علنا).. ونفس الظاهرة تحدث في تويتر حيث يمكن لأول تعليق أو تعليقين توجيه بقية التعليقات إلى حيث تريد.. ولهذا السبب يملك المشاهير (وخبراء تويتر) عدة حسابات فرعية تساند التغريدة الأساسية وتوجه آراء البقية...

والخلاصة؛ إننا في السعودية شوهنا تويتر بعمليات الرصد، والمتابعة، والتجييش، والاصطفاف، وشراء المتابعين.. بـدأ منبرًا شعبيًا نزيهًا، وتحول تدريجيًا لأداة رصد وتوجية وتحزب.. أصبحت أرقامه مخادعة، وبياناته مصطنعة، والغث فيه طغى على السمين..

ورغم أنه لايزال مليئاً بالنزيهين أصبح يقاد من قبل (قـلة) ماكرة تعرف أصول الصنعة.. لايزال مليئاً بمفكرين ومثقفين قادرين على خلق الفكرة وتقديم المعرفة ولكنهم لا يتقنون فن التلاعب بالأرقام.. وفي المقابل تجد أشخاصاً فارغين (لا يملكون غير الطقطقة وسرقة المعرفة) ومع هذا يتحكمون بالجماهير ويحظون بشعـبية لا تناسب قـيمتهم المعرفية!

... أنا شخصياً اعتقد أن تويتر مازال يسير في الاتجاة الخاطئ، وفات أوان إعادته لأيام البراءة.. والسبب الوحيد لكتابة هذا المقال هو تنبيه "الجماهير" إلى أن برلمانهم الشعبي أصبح مخترقاً وقابلاً للشراء والضرب تحت الحزام.. لتذكيرهم بأنه تحول إلى أداة (غير بريئة) لتشكيل الأفكار ورصد الآراء وتجييش المجتمع.. وبأساليب لا يدركها 95 % من الناس...

بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض