لا يتعلق الأمر باللغة فقط

أحيانا لا تستطيع التحدث مع الآخرين ليس لأنك لا تعرف لغتهم، بــل لأنك لم تعثر على لغة التواصل معهم.

في يونيو الماضي تجولت في سفينة سياحية مع مجموعة من السياح البريطانيين والأستراليين والأمريكان.. لم أستطع التواصل معهم بشكل جيد (ليس لأنني لا أعرف لغتهم) بــل لعدم وجود خلفية ثقافية مشتركة كالتي ظهرت بينهم.. فـالاختلاف الثقافي مثل الاختلاف العمري يحد من تواصلك مع الآخرين (وهذا بالمناسبة سر عدم حديث ابنك المراهق معك، وعدم مناقشتك أنت لشيء يقوله والدك أو جدك).

كنت أدرك هذه الحقيقة مسبقا، ولكنني بعد آخر تجربة بدأت أفكر بأفضل الطرق لكسر حواجز اللغة والثقافة والاندماج مع أي إنسان أو مجموعة لا تعرفها (سواء كانت عربية أو أجنبية).

· تذكرت مثلا صفة "الجراءة" التي تعلمتها من أحد أصدقاء الطفولة حين كنا نذهب لشاطئ ينبع الصناعية.. لم يكن يجيد اللغة الإنجليزية مثلي ولكنه حين يرى عائلة أجنبية (وغالبا أميركية) لا يتردد في الذهاب إليهم والبقاء بينهم لساعات... رغم أنه لا يعرف أكثر من ثلاث كلمات yes وNo وthank you ...

· تذكرت "الابتسامة" التي تعد بمثابة لغة عالمية يجيدها ويفهمها كل البشر.. فجميع الشعوب تبتسم بنفس اللغة، وحين تبتسم أنت في وجه شخص غريب سيرتاح لوجودك ويحاول التواصل معك سواء كان يعرف لغتك أم لا.

· تذكرت "إلقاء التحية" ودورها في كسر أول حاجز بين الأغراب.. تخيل شخصا يأتي ليجلس قربك فجأة دون أن يسلم أو يلقي التحية، ستشعر تجاهه بالصدود والنفور ــ وقد تقوم لتجلس بعيدا عنه.. لهذا السبب لا أنصحك بأن تمر أو تجلس أو تدخل على أحد دون إلقاء التحية (حتى لو كانت إيماءة بالرأس).

· وبعد أن تبتسم وتلقي التحية اسأل الشخص الغريب سؤالا لا يتحرج من الإجابة عليه.. فالإنجليز مثلا يسألون بعضهم عن حال الطقس (رغم معرفتهم به) والأمريكان من أي بلد أنت؟ والصينيون ماذا أفطرت اليوم؟ والنيجيريون كيف علاقتك بحماتك؟ اسأله أنت عن رأيه في الطعام والطقس ونوع الساعة التي يلبسها.

· كما يمكنك البحث عن شيء "مشترك" بينكما لبدء الحديث.. في السفينة السياحية سألني رجل أسترالي لطيف، ماذا اشتريت من فيتنام؟ قلت بحماس: ست لوحات زيتية.. سحب الكرسي وجلس أمامي وقال أنا مثلك أعشق اللوحات.. من أين اشتريتها وهل تملك صورا لها في الجوال.. وهكذا وجدنا شيئا مشتركا تحدثنا فيه لساعات.

· حاول أيضا أن تكون طريفا دون إسفاف.. حين يبدو الرجل رياضيا اسأله: من أين اشتريت هذه العضلات، وحين تبدو المرأة جميلة اسألها: ماذا أعجبك في هذا الرجل؟.. منذ عشرين عاما وأنا أطرح نفس السؤال على أي زوجين كبيرين أقابلهما في الخارج .. أسأل الرجل: هـل هذه ابنتك؟ .. في كل مرة يضحك هـو، في حين تشعر هي أنها عادت لسن الشباب.

... نعـم ، اللغة مهمة ولكنها ليست وسيلة التواصل الوحيدة بين البشر.. كلماتنا المنطوقة مجرد وسيلة لا تشكل سوى 18% من تواصلنا مع الآخرين.. البقية تعتمد على الابتسامة، والإيماءة، ولغة الجسد، وحركات اليدين، وروح المبادرة، ومهارتك في تحريك رأسك وتغيير ملامحك وتنويع نظراتك.. القطط والكلاب الأليفة لا تتحدث أي لغة بشرية ومع ذلك يحبها الناس لأنها تعوض ذلك بتصرفات ومشاعر ووسائل اتصال "إنسانية".

وفي المقابل؛ ما نفع اتقانك أنت لأي لغة أجنبية إن كنت خجولا أو مترددا أو منطويا ــ أو عاجزا عن تطبيق قوله تعالى (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا).. إن كنت من النوعية الانعزالية المنطوية فلماذا تتعب نفسك بتعلم أي لغـة أجنبية، أما إن كنت من النوعية الجريئة والمنفتحة والمبادرة فـستكفيك حتى ثلاث كلمات yes وNo وthank you.

بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض