أخبرني كيف تقود أخبرك من أي الشعوب

يمكنك معرفة مستوى الرقي والتحضر في أي مجتمع من خلال ملاحظة عنصرين رئيسيين.. الأول مدى احترامه للمرأة ومساواتها بالرجل، والثاني مدى تقيده بأنظمة المرور ومعدل الحوادث فيه...

لم أكن شخصياً أعتقد أن للعنصر الأول علاقـة بالعنصر الثاني؛ ولكنني بدأت ألاحظ أن نسبة الحوادث المرورية تنخفض أصلاً في الدول الأكثر مساواة بين الجنسين..

والرابط هنا ليس إلزامياً أو مباشراً (ولا أدعي أن احترام المرأة يساهم تلقائياً في انخفاض معدل الحوادث) ولكنهما مظهران إيجابيان يأتيان تحت مظلة الرقي العام للمجتمع. فالمجتمعات المتقدمة تتميز عموماً بجملة من المظاهر الإيجابية: كالشفافية، وحرية التعبير، والمساواة بين الجنسين، وانخفاض نسبة الفساد، وتراجع جرائم القتل، وتقيد الجميع بأنظمة المرور.. لاحظ بنفسك كيف ترتفع نسبة الحوادث في المجتمعات التي تعاني من الفساد والإرهاب واضطهاد المرأة وامتهان حقوق الإنسان.. وفي المقابل تتفوق النساء في سلم المساواة والحقوق والتمثيل النيابي (في دول مثل بريطانيا وهولندا والنرويج واليابان) التي لم يمت فيها العام الماضي أكثر من خمس أشخاص في حوادث السيارات.. وفي حين تتقدم السويد جميع دول العالم في حوادث الوفاة (حيث مات 2.8 شخص فقط)، تحتل النساء أكثر من نصف برلمان البلاد، وتنخفض فيها نسبة القتل لأقل من خمس ضحايا في العام.. وفي حين انتهى عام 2013 ولم يتجاوز عدد الوفيات في ألمانيا 19 راكباً، قرأت في صحيفة الاقتصادية (وتحديداً عدد 13 مارس 2013) أن عدد المتوفين لدينا بسبب الحوادث يصل إلى 17 وفــاة في اليــوم (وهو ما يتجاوز ستة آلاف حالة وفاة مقارنة بألمانيا)!!

وبوجه عام ينخفض معدل الحوادث المميتة في الدول المتقدمة إلى9,2 ضحايا (من كل 100 مواطن)، في حين يرتفع في الدول المتخلفة إلى 24,1 ضحية، (ويصل في دول مثل مالاوي وتايلاند إلى 35 ضحية من كل 100 مواطن).. أما من حيث عدد الحوادث ككل فيلاحظ أن 90 % منها تحدث في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل، مقارنة بالدول الثرية التي يملك سكانها سيارات أكثر!!

وبطبيعة الحال لا يمكن لأي أنظمة مرورية تخفيض نسبة الحوادث المميتة ما لم يتشكل وعي لدى عموم الناس بأهمية تطبيقها.. مرورنا السعودي مثلاً (رغم أنه أصبح كمرور الكرام) لا يمكنه منع الحوادث القاتلة ما لم يعي الناس أولاً متطلبات السلامة ــ وأهمها ربط الحزام، ووجود مقاعد للأطفال، والتقيد باللوحات الإرشادية وعدم القيادة أثناء التعب أو تحت تأثير العقاقير..

وهذه الحقيقة لوحدها تفسر دور الوعي والمدنية والتحضر (ليس فقط في رقي المجتمع ككل) بــل في تخفيض نسبة الإعاقات الدائمة والحوادث المميتة..

ومرة أخرى؛

أخبرني كيف تقود أخبرك من أي الشعوب أنت...

بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض