من أين لك هذا يا تركي؟!

لم يتعرض حكم لضغوطات إعلامية وجماهيرية حتى قبل انطلاق الموسم كما تعرض الحكم الدولي تركي الخضير، فسوء حظه قاده لأصعب مباراة وأشرسها في البطولة العربية، وهي التي جمعت الترجي التونسي والفتح الرباطي المغربي، والتي انتهت بمحاولة الاعتداء عليه من قبل لاعبي الفتح لولا تدخل رجال الأمن الذين طوقوه في صورة تثير الحزن والشفقة حتى مغادرته أرض استاد الإسكندرية.

حظه العاثر أيضاً وضعه في فوهة المدفع من جديد، إذ لم يكد يطلق العنان لأنفاسه المحبوسة بعد أحداث البطولة العربية حتى باغته مدير دائرة التحكيم في الاتحاد السعودي الإنجليزي مارك كلاتينبرغ بتكليفه بقيادة مواجهة الهلال والفيحاء في افتتاحية الدوري، ما تسبب في فتح النيران عليه من الهلاليين، ومن كل اتجاه؛ جماهيرياً وإعلامياً، فهم يرون أن تكليفه بمثابة انتداب للإضرار بناديهم، في موقف لم يتعرض له أي من زملائه الحكام.

الحظ ابتسم للخضير أخيراً، فعلى الرغم من كل الضغوطات النفسية فقد قدم أداءً رائعاً في مواجهة الهلال والفيحاء، بكل ما حفلت به من سيناريو دراماتيكي، وقد كان دقيقاً وشجاعاً وهو يحتسب ثلاثة ركلات جزاء في المباراة، اثنتان كانتا ضد الهلال، وهنا مكمن الصعوبة، وأنهى المباراة وهو أبرز نجومها على الإطلاق باعتراف الجميع حتى من لازموا الصمت، ففي صمتهم اعتراف.

مرة جديدة يكلف الخضير في الجولة الثانية بمباراة اصطلح المراقبون على أنها مباراة الجولة، وهي التي جمعت النصر والاتفاق، وكل التصورات لها كانت ضاغطة نفسياً على الاتفاقيين، فهي تقام في الرياض، وتأتي بعد أحداث مباراة النصر والفيصلي التي تعرض فيها الحكم عبدالرحمن السلطان لانتقادات نصراوية، جعلتهم يكثفون حملتهم على التحكيم، وكان قدر الخضير أن يكون في مقدمة المستهدفين.

جاءت المباراة وأثبت الخضير فيها بدقة قراراته ولياقته وجسارته، وهو ما مكنه من احتساب ركلتي جزاء صحيحتين أنه حكم ذو قيمة عالية، فقد كان نجماً من نجومها، بكل أحداثها وتقلباتها، والتي تنصبها الأجمل من بين مباريات الدوري حتى الآن، وهو ما يرفع عنه محاولات تشويهه إذ يثبت أن بالفعل أحد حكام النخبة في القارة.

للخضير أخطاؤه الفنية نعم، وأحياناً الإدارية كذلك، لاسيما في طريقة تعامله مع الموقف، تماماً كما حدث في البطولة العربية، لكن من هو الحكم الذي لا يخطئ، ثم إن البطولة نفسها وكما عرفنها هي مسرح للخروج على القانون أصلاً، ولذلك إذا أردنا تحكيماً ناجحاً، فينبغي إنصاف تركي وزملائه حين ينجحون، كما ننصب لهم المشانق في كل مرة يخطئون.

بقلم: محمد الشيخ - الرياض