اقتصاد مشاركة السلعة

الاقتصاد الحديث يقوم على الاستهلاك المفرط والمستمر.. يجب أن تستهلك باستمرار كي تستمر المصانع بالعمل والمناجم بالإنتاج والتجارة بالدوران.. حين تتوقف عن شراء الموديلات الجديدة يدخل اقتصاد العالم في ركود وتخرج معظم الشركات من السوق..

يمكن لجميع الشركات جعل منتجاتها تعيش لفترة (أطول) ولكنها تجعل لها عمرا محدودا كي تشتري منتجاتها التالية.. ونحن من جهتنا لا نستطيع الالتزام طويلا بذات السلعة، ليس فقط بسبب رغبتنا في مواكبة الجديد، بــل وصعوبة الاحتفاظ بالسلعة القديمة لأسباب تقنية.. هل تذكر مثلا أول تلفون نوكيا اشتريته في حياتك؟.. كان حينها فعالا وعمليا ويؤدي الغرض من وجوده.. ولكن التطورات المتتالية (في صناعة الهواتف الذكية) عـزلته وجعلتك تتخلص منه.. أيضا للسيارات عمر افتراضي (غالبا ضعف العمر الذي تمنحه لك الشركة كضمان على المحرك) يصعب بعدها الاحتفاظ بها ـــ خصوصا في حال أوقفت الشركة انتاج قطع غيارها..

غير أنني بدأت ألاحظ ــ من جهة أخرى ــ ظهور نوع جديد من الاقتصاد الذي لا يعتمد على الاستهلاك بــل على "التشارك في السلعة"..

خطر ببالي هذا الجانب (قبل سنوات) أثناء قراءتي عن مراهق بريطاني ابتكر موقعا لمشاركة السلع في مدينة بيرمنجهام.. فأنا وأنت وجميع الناس لدينا في بيوتنا سلع لم نستعملها منذ فترة طويلة.. آلات ومنتجات لا نستعملها سوى مرة أو مرتين في العام (مثل الدريل والبروجكتر وحاوية السليكون).. لهذا السبب فكر بإنشاء موقع يطرح فيه الجيران احتياجاتهم (بدل شرائها) فيعرض (من يمتلكها) تأجيرهم أو اعارتهم لهم مؤقـتا.. وبهذه الطريقة يمكن لجميع سكان الحي التشارك في سلعة واحدة بـدل شراء خمسين (دريل مثلا).. يمكن لعدة عائلات الاشتراك في شواية الفحم أو خـيمة العطلات أو كراسي الشاطئ بدل أن تتحمل كل عائلة تكاليف شرائها وحدها !!

... في ذلك الوقت رأيتها فكرة جديدة وفريدة ولكنني اليوم بدأت أراها بشكل موسع ومطرد.. بدأت أسمع عن اقتصاد المشاركة واقتصاد الجمهور والاقتصاد المرن واقتصاد الطلب (وجميعها مصطلحات يمكنك البحث عنها بنفسك في جوجل)..

اقتصاد أقل كلفة واستنزافا للموارد يعتمد على مفهوم المشاركة والتأجير وتبادل المنافع.. ظهر بفضل الانترنت وتطبيقات الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعية ــ بحيث أصبح بإمكان كل إنسان عرض خدماته ومنتجاته من خلال الانستجرام والواتس ومواقع البيع الافتراضية..

هذا النوع من الاقتصاد تبلور من خلال مواقع مشاركة (تحولت إلى شركات عملاقة) مثل إيباي eBay ونابسترNapster وكريغليستوCraiglist وأمازونAmazon التي تسمح للناس بتبادل السلع والكتب المستخدمة...

ولعـل أشهر نموذجين لاقتصاد المشاركة هذه الأيام هما تطبيق أوبرUber (حيث يتشارك الناس سياراتهم الخاصة) وموقع إيربنانAirbnb (حيث يتشارك الناس منازلهم الخاصة خلال إجازاتهم.

أنـا شخصيا من أشد المؤيدين لهذا النوع من الاقتصاد الجـديد ..

فهو من جهة يضاعف حجم الخدمات المقدمة للناس (فـتصور مثلا عدد السيارات التي أصبحت متوفرة لنسائنا بفضل تطبيقات كأوبر وكاريم) .. ومن جهة أخرى يلغي الحاجة لشراء السلع بأثمان باهظة (بحيث أصبح بإمكانك العيش في الداخل بلا سيارة، والسكن في الخارج في أجمل منزل بناه غيرك)...

بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض