حين تُضرِب النساء

زعيمة المعارضة في توغو (غرب أفريقيا) دعت الزوجات الى الإضراب عن العلاقات الزوجية احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية في البلاد.. ولم تكن هذه المرة الأولى حيث سبق للزعيمة إيزابيل أميغانفي أن دعت النساء في مايو الماضي لاعتزال الرجال أثناء المواجهات التي حدثت بين الشرطة والمتظاهرين في شوارع العاصمة لومي.

ورغم أن الرجال أنفسهم لا يفضلون الخلط بين السياسة وما يجري في غرف النوم؛ يستسلمون في النهاية للأمر الواقع ويقبلون مكرهين بمسألة.. الخلط.

والفكرة بحد ذاتها قديمة (منذ أن أدركت حواء قيمتها عند آدم) ومنتشرة أكثر مما تتصور.. يكفي أن نتذكر أن مقاطعات كهذه تحدث في كل البيوت بشكل سري وخاص، ولكننا لا نسمع عنها إلا حين تتخذ شكل اتفاق جماعي أو صبغة شعبية..

خذ كمثال التهديد الذي أطلقته هند بنت أبي عتبة ضد رجال قريش أثناء معركة أحد. فحين اشتد وطيس المعركة وبدأ صناديد قريش بالتراجع أمام المسلمين صاحت بهم بلسان كل الزوجات: إن تقبلوا (على المعركة) نعانق، وإن تدبروا (عنها) نفارق..

واليوم أصبح امتناع النساء عن الجنس وسيلة ضغط مقبولة ومعتادة في بعض المجتمعات.. ففي عام 2009 ضغطت النساء الكينيات بهذه الطريقة لمدة ثلاثة أشهر لإنهاء الخلافات بين المسؤولين في الحكومة الائتلافية..

وفي جزيرة ميندناو الفلبينية لجأت النساء لهذه الوسيلة لإنهاء النزاعات المسلحة في الجزيرة الأمر الذي ساهم في إنهائها فعلا في 2013.. وفي البارجواي أضربت النساء ثلاث مرات عام 1981 للضغط على الحكومة لمساواة الرجال بالنساء في مسألة تحديد الأجور والرواتب..

وكانت المنظمات النسائية الأوروبية قد ساندت في عام 2003 موقف النساء في قرية سرت التركية (قرب مدينة أنتاليا) حين قررن مقاطعة أزواجهن ومنعهم من دخول غرف النوم تحت أي ظرف من الظروف.. ويعود السبب إلى تعب النساء من حمل المياه الى القرية من مسافات طويلة بواسطة جرار ضخمة.. وكانت النساء كثيرا ما طالبن الرجال بالمشاركة في هذا الجهد أو مخاطبة الحكومة لمد أنابيب مياه للقرية ولكن بلا فائدة.. وحين طفح بهن الكيل اتفقن جماعيا على مقاطعة أزواجهن (...) حتى يجدوا حلا لمشكلة المياه.. وخلال ثلاثة أسابيع فقط أتت المقاطعة بثمارها وتشارك الرجال في دفع قيمة الأنابيب ومد صنابير المياه إلى كافة البيوت!

ورغم صعوبة هذا النوع من الإضرابات على الرجال؛ هناك حالات كثيرة صدرت فيها أوامر الامتناع من "رجل" كان هو أول من يكسر الحظر.. فالقائد المعروف الاسكندر الأكبر مثلا كان يؤمن بأن لقاء الجنود مع زوجاتهم يضعف قواهم ويمنعهم من القتال بشكل جيد. كما أراد أن يكون "اللقاء" بمثابة مكافأة للجنود الناجين من أي معركة بسبب حاجته الدائمة للجنود (لهذا السبب أصدر قانونا يمنع فيه الزوجات من النوم مع أزواجهن قبل ثلاثة أيام من أي معركة وحمّل الزوجات مسؤولية خرق هذا القانون)!

أما أغرب ما سمعته بهذا الخصوص فحدث في يونيو 1999 حين أصدر ملك سوازيلاند (ماساواتي الثالث) قانونا يمنع لقاء الأزواج لمدة خمس سنوات من إعلان القانون.. وكان الهدف من هذا التشريع الغريب حث الرجال على العمل الجاد (بدل قضاء الوقت تحت الأشجار)، والثاني تخفيض نسبة الولادات في هذه المملكة الفقيرة (في جنوب أفريقيا)، والحد من ولادة أجنة مصابة بفيروس الأيدز.. غير أن نتائج خمس السنوات التالية أثبتت عدم استجابة أحد لهذا القانون، خصوصا في ظل استمرار الملك في الزواج كل عام من خلال منافسة علنية!

مازلت عند رأيي بأن العالم سيصبح أكثر أمنا وسلاما وتنتهي الحروب وأعمال العنف والإرهاب لو حكمت الأمهات والزوجات عالم اليوم.. فالنساء حتى حين يقررن الإضراب يفعلن ذلك بطريقة سلمية وغير مؤذية لا يمكن إنكار فعاليتها.

بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض