أين يتحدثون الإنجليزية؟

ليس سراً أن اللغة الإنجليزية أصبحت لغة المؤتمرات والتجارة والسياحة والتفاهم العالمي وينشر بها 95% من الأبحاث العلمية والطبية..

أيضا ليس سراً أنها تحولت إلى لغة مشتركة تربط بين شعوب العالم وتوحد بين ثقافاته في ظاهرة غير مسبوقة تثير حيرة الإنجليز أنفسهم..

ومن خلال جولاتي حول العالم لاحظت أن هناك شعوباً برعت في إتقان هذه اللغة ودولاً أخرى مازالت تحاول.. وأنا هنا لا أتحدث عن الدول التي تتحدث اللغة الإنجليزية كلغة وطنية أم (كبريطانيا وأميركا واستراليا ونيوزلندا) بل عن الدول التي تتقنها كلغة ثانية بجانب لغتها الأم..

حين زرت اليابان أول مرة عام 2011 استغربت من قلة وضعف المتحدثين بهذه اللغة.. لم أكن سأستغرب لو كنت في دولة أفريقية أو عربية ولكن علمي برقي التعليم في اليابان (التي قضت على الأمية منذ120 عاماً) جعلني أتوقع حديث الجميع بها.. أذكر أنني ركبت مع سائق السفارة السعودية ففوجئت بتحدثه بلغة إنجليزية سليمة فقلت مازحاً: أنت أول ياباني أراه يتحدث هذه اللغة بشكل جيد.. قال: عفواً سيدي أنا من الفيليبين.. قلت ضاحكاً: هذا يفسر كل شيء..

فالفيليبين تأتي في المركز الثاني عالمياً في الحديث بالإنجليزية كلغة ثانية.. إذ يقدر أن 93% من الشعب الفيليبيني يجيد التحدث بهذه اللغة بمستويات متفاوتة.. وهناك من يُعيد الفضل إلى الاحتلال الأميركي (ولكن أميركا احتلت أيضاً اليابان وكوريا وأفغانستان) والبعض الآخر إلى النظام التعليمي الذي يعتمد هذه اللغة منذ الحضانة (ولكن دولاً كثيرة تفعل ذلك أيضاً) وقسم ثالث إلى الأسر الفيليبينية بأهمية هذه اللغة للهجرة والعمل في الخارج.. وقد تكون كل هذه الأسباب مجتمعة!!

.. أيضا لاحظت في النرويج إتقان الجميع للغة الإنجليزية.. يتحدثونها بلهجة أهلها الأصليين حتى بين الأطفال والمراهقين. أذكر أنني ركبت أحد الباصات وكان أمامي مجموعة مراهقين تنبهت إلى أنني فجأة أصبحت أفهم حديثهم.. ففي البداية كانوا يتحدثون بلغتهم النرويجية (التي لا أجيدها بالطبع) ولكنهم فجأة قلبوا الحديث بينهم بالإنجليزية حتى نزلوا من الباص، وهو ما اعتبرته استعمالاً موازياً للغتهم الأم...

... على أي حال، إن أردنا الحديث بحسب (النسب المئوية) يمكننا القول إن أفضل الشعوب التي تتحدث اللغة الإنجليزية (كلغة ثانية) هي بالترتيب:

سكان جبل طارق (100%) والشعب الفيليبيني (93% مقارنة مع 85% في كندا مثلا) ثم الهولنديون (بنسبة 90%) ثم الدول الإسنكندنافية التي لا تقل نسبة المتحدثين بها (حسب تقديري) عن 90%، ثم مالطا 86%، ثم إسرائيل 84%، وليبيريا 83%، وسنغافورة 80%، وألمانيا 64% ونيجيريا 52%.. أضف لكل هذا هناك جزر المحيط الهادي والكاريبي التي تعتبر تاريخياً وسياسياً تابعة لأميركا أو بريطانيا أو أستراليا وأصبح 98% من سكانها يتحدثون الإنجليزية كلغة وطنية أم..

والحقيقة هي أن الرابط التاريخي أو السياسي يلعب دوراً مهماً في هذا الموضوع، فتاريخ طويل من التنافس الروسي الأميركي لم يشجع سوى 6% من الروس على تعلم الإنجليزية، وتاريخ طويل من الاستعمار الفرنسي لم يشجع سوى 7% من الجزائريين على تعلمها (مقابل 45% في الأردن التي كانت تحت الانتداب البريطاني)!

.. على أي حال قد تتفاوت النسب بين شعوب الأرض ولكن المؤكد أن اللغة الإنجليزية أصبحت حالياً اللغة المشتركة بينهم، ولا أستبعد أن تتحول إلى لغة وطنية أولى في معظم دول العالم بنهاية هذا القرن (كما حدث في جاميكا وبورتيريكو وليبيريا وجزر نايورا وباربادوس).

بقلم: فهد عامر الأحمدي - الرياض