القمر ليس جميلاً فحسب

يملك كوكب المشتري 63 قمراً أربع منها أكبر من الأرض.. وفي المقابل لا تملك بعض الكواكب أي قمر في حين تملك الأرض قمرا واحدا فقط يبعد عنها 240 ألف ميل..

والعجيب أكثر أن هذا هو ما تحتاجه الأرض كي تصبح كوكبا قابلا للحياة.. فالقمر يملك الحجم والبعد المناسبين لمنح الأرض عوامل الحياة والاستقرار؛ فلو كان أقرب أو أكبر مما هو عليه الآن لتسببت جاذبيته في ازدياد قوة المد والجزر لدرجة غمر المدن الساحلية مرتين في اليوم (بتسونامي لا يقل ارتفاعه عن كيلومترين).. وحين تنحسر المياه سينسحب البحر إلى الداخل لمئات الكيلومترات بشكل لا يناسب ظهور أو عيش المخلوقات البحرية الحالية..

أما لو كان القمر أبعد من ذلك (أو هرب عنا نهائيا) فستفقد الأرض توازنها بشكل كامل وستتأرجح حول محورها (مثل مغناطيس مجنون).. وأمر كهذا يخلق اضطرابا شديدا في المناخ والمحيطات بحيث يتعرض الغلاف الجوي لحالات انجراف دائمة وتغمر مياه المحيطات قارات العالم بمعدل مرتين في اليوم (وفي النهاية ستعجز جاذبية الأرض عن الاحتفاظ بغطائنا الجوي والمائي كما حدث لكوكب المريخ)!

وهناك ثلاث فرضيات رئيسية تشرح وجود القمر حول الأرض:

الأولى تقول انه تشكل في نفس الوقت مع الأرض وبنفس الطريقة (من خلال تكثف بؤرة من السديم الكوني)!

والثانية أنه كان كوكبا مستقلا انحرف عن مساره ثم علق بجاذبية الأرض (كما حصل مع قمرين للمشتري)!

أما أقرب الفرضيات فيقول إن القمر كان جزءا من الأرض ثم انفصل عنها بعد اصطدام كوكب بها!

.. وحتى فترة بسيطة كانت الفرضية الأخيرة آخر احتمال يمكن تصوره. أما اليوم فتأتي في المقدمة وتملك أكثر الأدلة انسجاما وقبولا. فمن المعتقد أن كوكبا صغيرا يدعى أورفيوس اصطدم بالأرض قبل تصلبها بشكل كامل. وكان يمكن لهذا الارتطام ان يقسم الأرض الى نصفين لو ضربها بشكل مباشر.. غير انه ضرب سطحها بزاوية مائلة (أو كما يقال شطفها) فاقتلع سُدس كتلتها.

ويرى بعض العلماء ان هذا "الشطف" حصل في منطقة المحيط الهادي حيث أزيلت طبقة كبيرة من القشرة الأرضية ملئت لاحقا بمياه المحيط!

وما ساعد على انفصال القمر بهذه الطريقة أن الاصطدام حصل في وقت كان فيه سطح الأرض طريا لم يتصلب بعد. وهذه الحالة ساعدت على شفاء الأرض من جرحها الكبير وعودتها الى التكور من جديد (بفضل دورانهما المستمر)!

.. وبطبيعة الحال لو تكرر هذا الاصطدام (في أيامنا هذه) ستختفي مظاهر الحياة على كوكب الأرض خلال دقائق.. غير أن حدوثه في وقت مبكر من عمر الأرض تسبب في ظهور القمر ومساهمته في ظهور الحياة ذاتها..

المدهش؛ أن القمر ظل دائما يبتعد عن الأرض بمقدار 2,5 سم في العام وسيأتي يوم ينفلت فيه نهائيا عن جاذبية الأرض.. ويعتقد ان ابتعاده في القرون الماضية تسبب (عند مستوى معين) في تغير محور الأرض بمقدار (درجة واحدة فقط) نجم عنه جفاف الصحراء الكبرى وتحول غابات الجزيرة العربية الى رمال في الربع الخالي..

إذا... القمر ليس جميلاً وحسب ولم يخلقه الله فقط كي يتغزل به الشعراء بل عنصر توازن ساهم في ظهور الحياة بطريقة قلما تحدث في الكون.

* بقلم: فهد عامر الأحمدي