إثارة حتى النهاية!

 أتابع مثل غيري من الملايين حول العالم بطولة كأس العالم بالبرازيل وأحداثها المتتابعة والمثيرة وأحاول أن أجد «تفسيرات» وإسقاطات سياسية واقتصادية وثقافية على البطولة وأحداثها المختلفة. 

أصابني نوع من الذهول وأنا أشاهد سقوط دول كروية مهمة ولامعة الواحدة تلو الأخرى، دول عظمى كرويا مثل إنجلترا وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال، وأشاهد دولا مثل اليونان وكوستاريكا وكولومبيا تصعد إلى دور الـ16 فأذكر نفسي أن هذه بطولة كأس العالم وليست دورة رمضانية في كرة القدم! ولاحظت أيضا سقوط أباطرة الاستعمار القديم، دول مثل إسبانيا وإنجلترا والبرتغال وإيطاليا واليابان سقطوا سقوطا عظيما بل إن البطولة مقامة في البرازيل إحدى مستعمرات البرتغال وتحيط بالبرازيل عدد من الدول التي كانت ضمن مستعمرات إسبانيا وإنجلترا ذات يوم ولم يتبق من الدول الاستعمارية سوى فرنسا وهولندا وألمانيا. 

اهتم الناس بالتقنية الجديدة المستخدمة في البث التلفزيوني وكذلك تقنية «خط المرمى» الإلكترونية لمساعدة الحكم على القرار الصحيح بشأن احتساب الهدف أو إلغائه، وطبعا هناك الاهتمام بأزياء اللاعبين وقصات شعورهم المجنونة، والمشجعات، وصرعات التشجيع المنبعثة من أنصار كل فريق بالأغاني والأهازيج والأعلام والشعارات، وهناك حالات الدراما والكوميديا والعنف المصاحب لكل مباراة، ولعل الحالة الأبرز تلك التي قام بها لاعب منتخب الأوروغواي الكبير لويس سواريز وهو نجم نادي ليفربول الإنجليزي عندما قام بعض مدافع المنتخب الإيطالي بشكل وحشي وهذه، كما أصبح معروفا، ليست الواقعة ولا الحالة الأولى لهذا اللاعب، فلقد سبق له أن عض أحد اللاعبين في الدوري الهولندي عوقب عليه بالإيقاف وكذلك أعاد الكرة في الدوري الإنجليزي العام المنصرم وجرى إيقافه أيضا، وطبعا كانت مجموعة التعليقات والطرائف التي لاحقت «الفك المفترس» كما أطلق عليه أكثر من كافة التعليقات التي كانت تمدحه كأحد أهم نجوم اللعبة في العالم اليوم بلا منازع ولم يعد النجم الكبير مشهورا بقدرة قدميه ولكن بحدة نابيه! 

وهناك المتابعة للتراجيديا الأفريقية واستمرار الأحلام للقارة السمراء ببلوغ أدوار متقدمة رغم وجود الكم العددي للممثلين لها، إلا أن الأداء لم يكن مبهرا. تفوقت الجزائر وعصفت بكوريا في نتيجة رباعية صادمة لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع حدوثها، وغانا قدمت عروضا متفاوتة هي وساحل العاج، والكاميرون كانت مخيبة للآمال تماما، ونيجيريا لم تفعل شيئا تستحق الثناء عليه ويستمر بالتالي «الإحباط» تجاه أفريقيا وإمكانياتها، ويبدو أن المسابقة «تؤكد» أن المهاجرين الأفارقة والآسيويين هم الجنود المجهولون لتألق منتخبات ألمانيا وهولندا وفرنسا وسويسرا وبلجيكا فهم الذين لعبوا دور المنقذ في كل مرة. ولكن تبقى الدورة هي دورة «لاتينية» بامتياز، فهي في القارة التي مكنت حضورا جماهيريا مميزا ولافتا وكبيرا لجماهير المنتخبات الأميركية الجنوبية فكانت بالتالي الفرصة لتألق البرازيل والأرجنتين وكوستاريكا وكولومبيا والمكسيك والأوروغواي بشكل استثنائي وتحقيقهم لمفاجآت ونتائج مهولة على حساب فرق ذات باع أهم وأخطر، وخصوصا القادمين من القارة الأوروبية العجوز. 

زادت مداخيل الرعاية لهذه الدورة بنسبة عشرة في المائة عن مثيلتها في جنوب أفريقيا منذ أربع سنوات، وزادت نسبة الحضور الجماهيري وزادت نسبة المشاهدة وتحولت المقاهي والشوارع إلى ما يشبه الكرنفالات المصغرة. كل الكلام الذي قيل عن عدم جاهزية البرازيل لاستضافة هذه البطولة المهمة وأن الشعب البرازيلي سيكون معترضا وممانعا لانعقادها سرعان ما انصهر مع جماهير العالم للاستمتاع بهذه البطولة. ولكن البطولة كرست فكرة أن النجم وحده لا يستطيع أن يحمل الفريق بأكمله؛ فها هو رونالدو أفضل لاعبي العالم لم يستطع نجدة البرتغال ولا بارتوللي مع إيطاليا ولكن تألق ميسي ساعد الأرجنتين، وكذلك الأمر بالنسبة لينمار مع البرازيل وسواريس مع الأوروغواي، ولكن البطولة لا تزال مجهولة الهوية وهو ما يجعل الإثارة فيها لآخر لحظة. 

الترشيحات تصب لصالح هولندا إلا أن هولندا لم تعرف بأنها قادرة على مواصلة المشوار للآخر رغم كونها دوما ما تقدم أجمل كرة، وكون أيضا أنه لم يسبق لأي فريق أوروبي الفوز بالبطولة في أميركا الجنوبية. إثارة حتى النهاية.

نقلاً عن "الشرق الأوسط"