دونالد رئيسًا!

فاز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية.. فاز لأنه قاد حملة انتخابية «أذكى»، بينما اعتمدت منافسته على حملة تقليدية نمطية. قرأ دونالد ترامب خريطة الناخب الأميركي بواقعية شديدة. أدرك أنه أمام شريحة مؤثرة جدًا (وهي الرجل الأبيض).. شريحة تخشى على مستقبل بلادها من «غزو» الأقليات لها، فهي بالنسبة لهم تهدد أنفسهم وتخطف وظائفهم.

استغل دونالد ترامب هذا المناخ وبدأ في إطلاق الفزاعة تلو الأخرى، وأغرق العالم بتصريحاته «العدوانية» و«الصادمة»، وهي كلها كانت أساليب غير مسبوقة في تاريخ الحملات الرئاسية.

ورغم تعرض دونالد ترامب إلى أشرس حملات السخرية من الإعلام التقليدي والمحسوب بقوة على اليسار الأميركي، وتعرضه إلى انتقادات حادة من حزبه وعدم تأييد علني من كبار الشخصيات في الحزب الجمهوري.. رغم كل ذلك، فإن دونالد ترامب فاز. ولعل الخاسر الأبرز والأهم جراء ما حصل هو الإعلام التقليدي وصناعة استطلاعات الرأي العام، لفشلهم الذريع في قراءة ما يحصل على الساحة السياسية والإصرار على ترويج أن دونالد ترامب ما هو إلا «ظاهرة شاذة وغير جادة»، وقد حصل في النهاية العكس تمامًا لكل ما تم تداوله وتحليله وتفسيره وتوقعه.

جاء دونالد ترامب ببرنامج «صادم» لكل ما قامت عليه أميركا من شعارات ومن قيم، وأطلق شعارات أثارت الهلع في قلوب الأقليات وجعلتهم يراجعون مواقعهم الآمنة والمطمئنة التي جعلتهم يهاجرون لأرض أميركا بأمان. دونالد ترامب بفوزه أرسل رسالة مخيفة بأن التطرف والتشدد والتنمر والعنصرية والعدوانية جميعها تربح، وأن كل ما كان يروج له عكس ذلك ما هو إلا مثاليات وتنظير. هذه هي الخلاصة التي صدمت كثيرًا من المتعلقين بالصورة المثالية لأميركا تحديدًا والغرب عمومًا.

الولايات المتحدة بعد أن انتخبت باراك أوباما كأول رئيس أميركي من أصول أفريقية كانت جاهزة جدًا لأن تنتخب أول امرأة، ولكن ثقة الناخب تغيرت ولم يعد لديه أي إحساس بالطمأنينة تجاه المؤسسة السياسية التقليدية التي تعتبر هيلاري كلينتون من أهم وجوهها. وقرر الناخب الأميركي أن ينقلب على التوقعات وترجيح اختيار امرأة لرئاسة أميركا مثل باقي دول الغرب ويختار شخصية غير سياسية رغم كونها مثيرة جدًا للجدل.

مع هذا المشهد الجديد سيكون من المتوقع أن تنفتح الشهية اليمينية المتطرفة في أوروبا، وبالتالي من الممكن توقع وصول ماري لوبين إلى رئاسة فرنسا، وهي المعروفة بزعاماتها للمواقف المتشددة والقومية.. وما ينطبق على فرنسا ينطبق على غيرها.

أسعد الناس بوصول ترامب إلى رئاسة أميركا هو الرئيس الروسي بوتين الذي لديه رغبة في الانتقام من أميركا، فهو يعتقد أن أميركا ودعمها لغورباتشوف الرئيس السابق للاتحاد السوفياتي أسهم في سقوط الكتلة الشيوعية، وهو الآن يرغب في رد الصاع صاعين عن طريق دعمه لترامب. الخط الليبرالي في الغرب يندثر ويتقلص في أميركا وأوروبا ويبدو اليوم أن صوت العقل والحكمة في الغرب الليبرالي لا يأتي إلا من كندا وزعيمها الشاب المحبوب ترودو الذي لا يتوقف عن تكرار موقف بلاده المرحبة بالمهاجرين والأقليات وانفتاحه واحترامه للأديان كافة، وتطلعه لإبقاء اتفاقيات التجارة الحرة المفتوحة كافة مع الدول المختلفة حول العالم حتى أصبحت مضرب الأمثال في العدالة والمساواة للجميع.

سيفيق العالم من الصدمة التي جاءت مع انتخاب دونالد ترامب رئيسًا لأكبر دول العالم وأهمها، وسيتعاملون مع واقع جديد. رجل سخر منه الجميع وضحك عليه الجميع حتى أتم بنجاح أهم صفقات العمر وأصبح رئيسًا منتخبًا، وسيضحك هو في طريقه للبيت الأبيض حاكمًا للعالم، وليس لكل من سخر منه إلا الحسرة والصدمة.

بقلم: حسين شبكشي -الشرق الأوسط