نفطيات!

هل لا تزال للنفط نفس الأهمية الاستراتيجية المؤثرة على الاقتصاد العالمي؟ يبدو أن هذا السؤال مشروع ومنطقي جدًا في ظل التقلبات الحاصلة لهذه السلعة الاستراتيجية ومدى أثرها على الاقتصاد العالمي.

ولعله من اللافت جدًا معرفة أن الشركات العملاقة «الجديدة» تنتمي إلى قطاعات لا تعتمد البتة على الطاقة ومشتقاتها، شركات مثل غوغل وأبل وأمازون باتت المعيار الجديد الذي يقاس به الاقتصاد الجديد حول العالم.
البترول يتقلص دوره وتأثيره بالتدريج كوزن اقتصادي، ولكنه سلعة مغرية «جدًا» للمضاربين في بورصات السلع والمغرمين والشغوفين بسياق التسعير المستقبلي، وهو نوع من القمار المالي في بورصات العالم يؤجج الأسعار والتداول دونما أي قيمة اقتصادية مضافة حقيقية.

هل ينضب النفط «اقتصاديًا» قبل أن ينضب «طبيعيًا»؟ سؤال مهم جدًا، خصوصًا مع مثال ما حصل لسلعة الفحم، تلك السلعة التي كانت تتسيد العالم الصناعي وما زالت تستخرج ومناجمها موجودة حول العالم ولكن قيمتها انحسرت جدًا وانقرضت بالتالي اقتصاديًا قبل أن تنقرض طبيعيًا.

كان لافتًا جدًا رد الفعل الفوري لاتفاق بعض أعضاء منظمة البترول أوبك مع روسيا على تخفيض الإنتاج، فرد الفعل كان باردًا وأدى إلى انخفاض سعر البرميل بثلاثة في المائة خلال فترة بسيطة من الإعلان عن الخبر.

الطاقة الذكية والمعتمدة على الوسائل الأكثر فعالية بدأت تدخل المساحة الأكبر من فكر الصناعيين حول العالم، ولعل ألون ماسك مؤسس شركة تسلا للسيارات الكهربائية يرغب في أن يعمل للسيارات والطاقة عمومًا ما قام بعمله الراحل ستيف جونز للترفيه والاتصالات عن طريق اختراعات ومنتجات شركة أبل العملاقة المشهورة، فاليوم تسعى شركة تسلا أن تقدم بديلاً حقيقيًا للسيارة التقليدية المعتمدة على الطاقة الذكية النظيفة، التي لا تلوث فيها، وإذا ما نجح ألون ماسك في هدفه وحلمه ومبتغاه في أن يجعل نظام تسلا يعمل لتشغيل الطاقة في البيوت والمصانع والطائرات طبعًا وكذلك السكك الحديدية، إذا ما نجح في هذا الهدف الكبير ستكون ثورة كاملة في الطاقة وستتبدل الكثير من الثوابت والمعطيات التي اعتدنا عليها، وهذا بطبيعة الحال ستكون له انعكاسات على نوعية الصناعات التي ستستفيد من هذا الأمر، وليس بخافٍ أن كبرى الشركات المصنعة للسيارات تقوم بإنتاج سيارات تعمل بطاقة كهربائية مشتركة مع البنزين يطلق عليها نوع الهجين، وبالتدريج تستعد هذه الشركات لإنتاج سيارات تعمل بالطاقة الكهربائية حصريًا.

كل هذه المؤشرات تتوجه نحو مستقبل يقل فيه الاعتماد على النفط لصالح وسائل غير تقليدية لإنتاج الطاقة، حتى ولو استمرت الأسعار منخفضة بشكل مغر إلا أنه من الواضح أن العالم الصناعي يريد التحرر من الاعتماد على مصادر لا يستطيع التحكم في دوراتها الاقتصادية العنيفة ويخشى تقلبات ذلك على المعدلات السعرية وبالتالي الأضرار التي من الممكن أن تلحق به.

مطلوب التأمل جيدًا في الدول التي اعتمدت على الفحم كمصدر أساسي لمدخولها الاقتصادي وظلت في حالة إنكار لخطر انحسار دور الفحم الاقتصادي حتى فات الأوان، لعل ذلك يكون عبرة مطلوبة لأهمية تنويع مصادر الدخل والعمل بإدراك أن عصر النفط انتهى.

بقلم: حسين شبكشي - الشرق الأوسط