أفريقيا: الحرب الاقتصادية الأخيرة!

الدول هي «قطع في لعبة شطرنج تحرك في لعبة عظيمة للتحكم في العالم»، كتب هذه الكلمات اللورد كرزون حاكم الهند البريطاني في 1898، ويبدو أن هذه المقولة لا تزال صالحة اليوم.

ويبدو أن لعبة الشطرنج على أشدها في القارة الأفريقية، والتي يعتبرها الكثيرون الجائزة الكبرى الأخيرة في سباق الأمم، وإذا كانت هناك دولة تمثل مخاطر سباق الأمم فهي الصومال. فالصومال فيه لغة واحدة وديانة واحدة، وتَقسَّم استعماريا عبر الأزمان بين البريطانيين والفرنسيين وإيطاليا وإثيوبيا، وبات شعبه اليوم لا يطيق بعضه بعضا بامتياز مولدا تطرفا دينيا وقبلية متعصبة تزيد من التفرقة والتمزيق، حتى تحول إلى «سيرك سياسي» فيه كل التصارع والتناحر الهائل. وهو أيضا ضحية برامج تنموية فاشلة من البنك الدولي والمنظمات الشبيهة، وهدف لحملات الطائرات بلا طيار من قبل إدارة أوباما. والآن في وجود حكومة منتخبة ودعم أفريقي عسكري هناك ملامح استقرار قد تنذر بعودة الصومال إلى الحياة الطبيعية.

بعد سقوط القذافي في ليبيا بدعم من قوات حلف الأطلسي عسكريا تحولت ليبيا إلى ساحة «لمن يستطيع الفوز بها»، أو لمن يستطيع الفوز «بقطعة منها» بعد تقسيمها. هناك سباق محموم على الطاقة والمعادن والأراضي الخصبة، وسيزداد هذا السباق ضراوة وحدة، ومن المهم جدا مراقبة من سيدعي «أحقية وشرعية» المطالبة بذلك من الدول الكبرى المتسابقة على هذا الغنائم، لأن هناك أعدادا «هائلة» ستتساقط من الضحايا البشرية بسبب الصراعات التي ستشتعل.

وفي بريطانيا، على سبيل المثال، تحذر عملاق صناعة السلاح والطيران «بي آي آي سيمنز» مع العملاق المالي بنك «باركليز» بضرورة «ألا تظهر بريطانيا وكأنها إمبراطورية جريحة بلا إحساس تطمع في المال بأي ثمن». وخلال هذا الوقت ومن دون ضجة إعلامية تذكر صدرت القيادة الأميركية المشتركة المعروفة باسم «أفريكوم» قواتها إلى 35 دولة أفريقية، مؤسسة نهجا إداريا وقمعيا غير بسيط، تماما كما فعل الإنجليز في الهند من قبل.

وفي الوقت الذي تقدم فيه الولايات المتحدة الأميركية غزوات طائرات بلا طيار وأهدافا للقصف، تقوم الصين ببناء الجسور والطرق والمستشفيات والسدود.. فما الذي يريده الصينيون؟

إنها الطاقة التي لديهم لها نهم مهول لا يشبع لتغذية وإشباع التنامي الاقتصادي الكبير عندهم. التدخل العسكري لحلف الأطلسي في ليبيا كان من نتائجه «إخراج» 30 ألف عامل صيني هناك يعملون في حقول النفط. إن الصين تعتبر بالنسبة لأميركا في أفريقيا أهم من إيران ومن الجهادية ومن قوى التطرف والإرهاب «مجتمعة»، وطبعا لا يقتصر الاهتمام والتتبع الأميركي للحالة الصينية على القارة الأفريقية وحدها لكنها تبقى الساحة الأهم.
الصين كونت «مناطق نفوذ استراتيجية» في كل من السودان (وردت عليها أميركا بشق الجنوب عنها ودعمه والجنوب فيه كل منابع النفط)، وفي زيمبابوي (وتم الرد بسلسلة من العقوبات السياسية والاقتصادية عليها)، وفي وسط أفريقيا وزائير (قامت حروب أهلية فيهما برعايات خارجية تنبئ بتغيرات سياسية مهمة ولافتة).

والآن ها هي التوابع تصل إلى القرن الأفريقي نفسه وتحديدا إلى إريتريا تلك الدولة المهمة، وهناك أخبار متواترة عن إقدام إريتريا على «تأجير» ثلاث من جزرها لإيران التي تستخدمها لتدريب «قوى ثورة» مختلفة من دول «مجاورة» وإعادة إرسالها، ولعل أهم مجاميع مسلحة تعمل الآن «لصالحها» في اليمن، وتساعدهم بالعتاد والسلاح والمال والخبرة، مما يترجم إلى مزيد من الدماء والاضطرابات. لكن هناك حراكا غير بسيط بدأ يتفاعل في إريتريا غايته الرغبة الصادقة في تغيير النظام الحالي. وهناك مؤشرات قوية جدا بأن شيئا ما يقترب في إريتريا، فالمؤتمرات الوطنية المعارضة في بريطانيا وغيرها آخذة في رفع الصوت ضد النظام الحاكم ورفع سقف المطالب بشكل جاد ومهم. 

الصومال على موعد مع اكتشافات نفطية وغازية مهمة على سواحله كما تشير الدراسات، وهو لديه أكبر ساحل في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا. وعليه، فإن الثروة السمكية التي ترغب في استئجار استغلالها اليابان تبقى مسألة مغرية جدا، وهناك معادن مهمة جدا ونفط صخري في أواسط أفريقيا في كل من الكونغو وأفريقيا الوسطى مع عدم الإقلال من غاز مالي ونفط تشاد ويورانيوم النيجر.

كلها مواد وإمكانيات تفتح شهية الدول الكبرى عليها، أميركا «حيدت» وحجمت المستعمرين السابقين مثل فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا، وأدخلتهم جميعا تحت جناحها كما حدث في الجزائر وليبيا وغرب أفريقيا. لكن الصين هي التي تبقى خارج السيطرة تماما، وهذا يهدد مصالحها، مع عدم إغفال حجم السوق الأفريقية التي تتحول إلى سوق استهلاكية لسلع الغرب والصين، مع تحسن قدرات شعوبها الشرائية.
إنها الحرب الاقتصادية الكبرى القادمة وجائزتها الكبرى آخر القارات وأهمها.



نقلاً عن "الشرق الأوسط"