سنة جديدة!

سنة أخرى تشارف على الوداع، سنة أخرى تغادرنا بحلوها القليل ومرها الكبير، سنة أخرى ونحن نسمع ذات العبارة التي تكرر سنويا، وكأنها أسطوانة مشروخة، عبارة «العالم العربي على مفرق تاريخي غير مسبوق ويمر بمرحلة خطيرة جدا»، وكل مرة تحمل هذه العبارة معاني جديدة لأن الظروف تتغير. هل العالم العربي كتب عليه أن يكون دوما بين فكي الكماشة المكونين من استبداد وطغيان بعض الحكام والاستبداد والجهل والتطرف باسم الدين؟

وهو الحال الذي ولد الجملة البائسة «إن العرب لا يستحقون الديمقراطية لأنهم غير جديرين بها»، وهي جملة خطيرة جدا؛ لأنها تؤيد النظرة الصهيونية الدونية للعرب التي كانت تروج فكرة «العقل العربي» بعد فترة هزيمة العرب الكبرى 1967، وتحاول أن تصور أن العقل العربي «مختلف» وبطبيعته «جاهل» و«متخلف» ولديه قابلية «للعنف» و«القتل» لأن أصوله «دموية»، وهذا التوصيف هو تطور استخدمته الصهيونية بخبث ودهاء كما كان يستخدم ضد اليهود من قبل حزب الرايخ الثالث النازي إبان حكم أدولف هتلر، والذي كان يروج لفكرة «العقل اليهودي» ويصفه بأبشع الصفات ويبرر بالتالي ما يجب اتخاذه ضدهم من أحكام وإجراءات عنيفة جدا ودموية وغير آدمية.

العرب تعبوا جدا؛ هم شعوب بات الإحباط واليأس جزءا أساسيا من مكوناتهم اليومية، وخصوصا وهم يرون أمما مثل اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام وتايلند وإندونيسيا وغانا، والتي كانت دولا متخلفة وفقيرة وجاهلة ومليئة بكل أنواع الأزمات، تحسن من مستويات الدخول فيها لشعوبها، وتطورت الخدمات العامة من صحة وتعليم وبنية تحتية وقضاء، هذا طبعا مع عدم إغفال التطور المهول الذي حصل في كل من الهند والصين، والذي وحده سبب كاف لأن يصيب العرب بحالة مستديمة من الاكتئاب العميق.

كل ما تمناه العرب هو الخلاص من الاستبداد والعيش بحرية وكرامة وأمان، وأن يكون لهم الحق في تقرير مستقبلهم، وأن تكون لدولهم العدالة الاجتماعية ومنظومة تحارب الفساد وفيها القدر العادل من الثواب والعقاب، وأن يكون الموقع للمسؤول الجدير به فقط، ولكن تبين أنهم يلاحقون سرابا؛ لأن الأحلام اصطدمت بواقع مرير، وأن نصرة الظالم لها أوجه كثيرة من أهمها «حماية المصالح»، وأن الوسطية المنادى بها هي في واقعها مفرخة التطرف والتشدد والإرهاب، وأن العلم والتعلم المنشودين والمروجين هما تكريس للجهل وللأمية العصرية، وهما نتاج تراكمي طبيعي لأن تصدم الشعوب بمسائل بسيطة مثل حوادث السكة الحديد التي تتكرر بشكل مستمر، ومعدلات التعليم المنخفضة في المخرجات الناتجة ومنظومة الفساد الهائلة وفضح المستور مع كل موجة أمطار.. أمة لا تستطيع تصريف مياه أمطار أو توصيل شعبها بسلام في قطار كيف بالله عليكم ستحرر فلسطين؟!

سنة تمر دون عبرة أو دروس أو استفادة مما حصل، بل بالاعتراف بالتقصير ومحاسبة المتسبب الحقيقي للقصور، هي تكرار للتاريخ، والذي لا يتعلم من دروس الماضي سيكون حسابه في المستقبل صعبا.

كل عام أنتم على أمل، ولعل السنة المقبلة تكون آتية بخير لنا.

نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"