مذهب الظاهرية والإمام ابن حزم رحمه الله

اسم الكتاب: مصادر التشريع الإسلامي وطرق استثمارها عند الإمام الفقيه المجتهد علي بن أحمد ابن حزم الظاهري. تأليف : أبو الطيب مولود السريري الناشر : دار الكتب العلمية- بيروت - لبنان هذا الكتاب يعتبر دراسة قصد بها مؤلفها بيان بعض القواعد الأصولية التي يعتمد عليها الظاهرية، وخصوصا الإمام أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد ابن حزم -رحمه الله- في استنباط الأحكام الفقهية من النصوص الشرعية، وكيفية اختياره لآرائه الأصولية، والطريقة التي جدد بها ابن حزم مذهب أهل الظاهر، والعمل الذي جاء به في تجديد مسالك النظر في أصول الفقه، حيث ذكر المؤلف أنه جاء بما لم يسبق إليه في كل الميادين التي كتب فيها بوجه عام . وقد قام الكاتب بتلخيص ذلك في عدة نقاط: - لا يخفى على ذي البصيرة أن كل امرئ اختار مسلك الاجتهاد، ونبذ التقليد، ومقت الأخذ به، واعتبر العمل به من الذنوب الكبائر، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون إمعة يردد ما يقوله الناس، فيقنع بجملة من آراء غيره، وينشرها بين الأنام . - ومن ثم فإن ابن حزم بحكم كونه من ذلك الطراز الثائر على التقليد وأهله والمبغض لكل ما يمت لذلك بصلة، والموصوف بكل تلك الأوصاف التي ذكرناها في الذي اختار مسلك الاجتهاد، قد أفرغ ما بين جوانحه من الآراء والأفكار المخمرة، والتي هي من ثمار طول التفكر وإمعان النظر وسعة الاطلاع، ولم يختر المذهب الظاهري عن تقليد، وإنما اختاره لأنه يرى فيه العودة إلى ما كانت عليه حال الشريعة قبل حدوث التقليد واتباع غير النص الشرعي، والاحتكام إلى مالم يأذن به الله تعالى في دينه، ومن ثم فإن اختياره للمذهب الظاهري ثورة على تنكب الناس سبيل الأخذ بالنصوص، وانسياقهم وراء آراء الرجال، وعلى غير ذلك من الآفات التي تنشأ عن التقليد . - حرص ابن حزم على إيراد النصوص الشرعية التي تلزم الناس الأخذ بظاهر الكتاب والسنة، مما يدل على أنه اختار المذهب الظاهري عن اقتناع عقدي استمده من وجوب احترام ميدان الشريعة، وتفويض الأمر لله تعالى في ذلك، إذ التشريع للعباد لايجوز لأحد إلا له وحده سبحانه، ومن ثم فإنه يرى أن كل حكم لا يستند إلى النص الشرعي بوجه يقيني، يعد مما لم يأذن به الله تعالى، وهو أمر يجب الحذر منه، وقطع السبل والمسالك التي قد تفضي إليه . - إذا كان هذا هو حال ابن حزم من جهة اختياره لمذهبه هذا، فلا ريب أن حاله هذا - وهو إنزال النصوص مكانتها، وعدم خرق حجاب هيبة الشريعة كما ذكرنا - يلازمه في كل بحوثه الأصولية، فيبني عليه آراءه، ويزن به آراء غيره، فما وافق منها أصله هذا قبله، وما خالفه منها نبذه، واستهجن الأخذ به، سواء أكان رأي الظاهرية أم رأي غيرهم، فالمعتبر عنده ما صح على أساس هذا الأصل. - وبهذا يعلم ويقرر أن عمل ابن حزم في مذهبه الظاهري تأسيسي، لا امتدادي لعمل من سبقه من الظاهرية بصورة تقليدية. - وبمقتضى ما ذكر من الأخذ بما تقتضيه قواعد هذا الأصل الذي ذكرنا أن ابن حزم يعتمد عليه في قبول الآراء ورفضها، رد (أي ابن حزم) على أصحابه الظاهرية وخالفهم، ومما خالفهم فيه قوله بالمجاز في القرآن والسنة، وهو ما منعه داود ونجله محمد، وغيرهما من الظاهرية، كما خالفهم في نفي القياس الجلي (فحوى الخطاب أو دليل الخطاب)، والمروي عن داود أنه قبله وذهب إلى القول به، وخالفهم أيضا (أو بعضهم) في قوله بجواز تخصيص الكتاب بالكتاب، وتخصيص السنة المتواترة بمثلها، وتخصيص الكتاب بالسنة، ويروى عن بعض الظاهرية - ومنهم داود - منع ذلك كله، وخالفهم أيضا في حمله المشترك على كل ما يدل عليه حقيقة من معنيين أو معان، وخالف بعضهم في منعه ورود حديث صحيح يخالفه الإجماع، وخالفه في الدلالة، إذ وسعها توسيعا لم يكن الظاهرية يسيرون على ما يستلزمه، ولم يستثمروا النصوص على ما يقتضيه. كما خالفهم في مسائل تعرف بالرجوع إلى مواطنها في مؤلفاته، وفي هذا البحث طرف من ذلك . - وحاصل القول أن ابن حزم قد جدد المذهب الظاهري، برد ما يراه فاسدا فيه وإزالته، وتوسيع ما يراه جديرا بالتوسيع، وتضييق ما يراه جديرا بالتضييق فيه، وتقوية الجوانب التي ينبغي أن تقوى وتحصن فيه، ومجمل القول في هذا كله أنه هدم في مذهبه ذاك ما يرى أن الهدم أولى به، وبنى وقوى وحصن ما يراه مستحقا لذلك، وهذا هو معنى التجديد . تم إعداد الموضوع بالتعاون مع موقع ثمرات المطابع: www.thamarat.com