العولمة أسبابها ومظاهرها في العالم الإسلامي

الكتاب: العولمة والعالم الإسلامي حقائق وأرقام المؤلف: عبد سعيد عبد إسماعيل الناشر: دار الأندلس الخضراء بدأ المؤلف بالحديث عن مفهوم العولمة ونشأتها، ثم عن مظاهرها وأسبابها وقد حصرها في أربعة محاور وهي: تحرير التجارة الدولية، وتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتقدم العلمي والتكنولوجي، والشركات متعددة الجنسيات، ثم تناول الكلام عن مفهوم وواقع العالم الإسلامي، وفرق بين العالم الإسلامي والأمة الإسلامية ثم تحدث عن الواقع الاقتصادي للأقطار الإسلامية، وما يعانيه العالم الإسلامي من فقر وانخفاض الدخول، وارتفاع المديونية، وأزمة الغذاء والإنفاق العسكري وأزمة المياه ومشكلة التعليم وغيرها . ثم ختم المؤلف كتابه بالحديث حول موقفنا من العولمة، وذلك من خلال مشروع حضاري إسلامي يقوم على تكامل في الاقتصاد، وتنمية بشرية شاملة، وشفافية، ومحاربة الفساد . ماهي العولمة؟ العولمة تعني اصطباغ عالم الأرض بصبغة واحدة شاملة لجميع أقوامها وكل من يعيش فيها، وتوحيد أنشطتها الاقتصادية والاجتماعية والفكرية من غير اعتبار لاختلاف الأديان والثقافات والجنسيات والأعراق . وقد عرض الكاتب تعريفات متعددة للعولمة، ثم وصل إلى أنه ليس هناك تعريف جامع مانع لها، فهو مصطلح غامض في أذهان كثير من الناس، وقد نشأت العولمة في التسعينات بعد انهيار المعسكر الشيوعي، واستفراد أمريكا بالعالم، ولا سيما عندما طالبت أمريكا دول العالم بتوقيع اتفاقية التجارة العالمية بقصد سيطرة الشركات العابرة للقارات على الأسواق العالمية. مما يؤكد أن العولمة بثوبها الجديد أمريكية المولد والنشأة . الإسلام والعولمة : يذكر الكاتب أن هناك فرقا بين عالمية الإسلام وعولمة الغرب، فعولمة الغرب اقتصادية الأساس تسعى إلى الهيمنة على العالم برفع القيود عن الأسواق والبضائع ورؤوس الأموال، وهذا يفضي إلى تعميق النزاعات والصراعات. أما عالمية الإسلام فتقوم على أساس التعارف والانفتاح على الثقافات الأخرى بلا نفي أو إقصاء أو إكراه لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي. وألمح الكاتب هنا إلى عدم اتفاق الباحثين على تعريف معين للعالم الإسلامي، ويرجع ذلك إلى اختلافهم في تحديد المعيار الذي يستخدم في التعريف: هل هو عدد السكان، أم الدستور الذي ينص على أن دين الدولة هو الإسلام، أم هو تنظيمي أي الدول التي تنتسب إلى منظمة المؤتمر الإسلامي؟ وعلى رغم هذا الاختلاف الذي يجعل تحديد المفهوم صعبا فإن الإسلام في توسع ديناميكي، وهو دين المستقبل، ويرجع ذلك لبساطة عقيدته، ويسر فرائضه. ويمتد العالم الإسلامي على مساحة واسعة تضم أجناسا وقوميات، وثقافات، ولغات، وعادات، وهذا الاختلاف لا يشكل عقبة تذكر أمام الهوية الإسلامية التي تجعل من المسلمين وحدة متماسكة . أما الأمة الإسلامية فهي كيان يجمع كل مسلم يقر بالشهادتين، وبناء على هذا فإن مفهوم الأمة الإسلامية أشمل من مفهوم العالم الإسلامي، فالعالم الإسلامي مفهوم جغرافي، وهو كيان يضم الأرض والناس، وأما الأمة الإسلامية فهو كيان يحتوي الناس فقط . الواقع الاقتصادي للأقطار الإسلامية : من خصائص الوضع الاقتصادي للعالم الإسلامي أنه متخلف، وإنجازاته التنموية متواضعة مع التشابه النوعي في مشاكله . وهذه بعض خصائص ومظاهر الاقتصاد في العالم الإسلامي: 1- الفقر وانخفاض الدخول: يشكل الفقر وانخفاض نصيب الفرد من الناتج القومي سمة بارزة في معظم الأقطار الإسلامية عدا بعض الدول المصدرة للنفط وهي مشكلة متزايدة ومضطردة. والأقطار الإسلامية ليست فقيرة، ولكنها غير عادلة، ففي معظم أقطاره ينقسم المجتمع إلى شريحتين أغنياء متخمين وفقراء محرومين، وما يترتب على هذا الفقر من ذل وضعف، وفقدان للحرية وتدن للسوية التربوية والأخلاقية، والتقنية .. الخ، أما شريحة الأغنياء والمترفين، فتتميز بالمظهرية الزائفة، والإنفاق التفاخري في الحاجيات والكماليات . 2-هيكل التجارة الخارجية واتجاهاتها: للتجارة الخارجية دور مهم في حياة الأمم من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية، وذلك من خلال تنظيم الموارد الاقتصادية، وتسيطر السلع الأولية مثل : الوقود، والمعادن، والمنتجات الزراعية على الجزء الأكبر من صادرات الدول الإسلامية. وقد أورد المؤلف أرقاما لحجم صادرات الدول الإسلامية إلى دول العالم، وحجم الصادرات بين الدول الإسلامية، والتي يستخلص منها قلة صادرات العالم الإسلامي عموما قياسا إلى إجمالي الصادرات العالمية من جهة، وضعف التبادل التجاري بين الدول الإسلامية نفسها من جهة أخرى، ويرجع ذلك إلى عوامل عدة أهمها: اختلاف السياسات الاقتصادية العامة، وتشابه الإنتاج، وضعف التنوع في الاقتصاد، وتخلف البنية التحتية، في مجال النقل والمواصلات وغيرها من العوامل . 3- انخفاض نسبة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي: إن التنمية الصناعية تعتبر الطريق والأساس الوحيد للإفلات من التبعية الاقتصادية، وهي وسيلة لزيادة فرص العمل المنتج وتوليد دخل أعلى . ورغم ذلك فلاتزال جميع الدول الإسلامية متخلفة صناعيا، إذ تتميز اقتصادياتها بصفة عامة بانخفاض نسبة مساهمة قطاع الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي . 4- ارتفاع حجم المديونية الأجنبية وازدياد أعباء خدمتها: دخلت كل الدول الإسلامية نادي المديونية، واستمرار ذلك يشكل مصدر تهديد للأمن الاقتصادي والاجتماعي لسرعة تراكمها على مر الأعوام، وقد أورد المؤلف أرقاما تبين حجم المديونيات للأقطار الإسلامية، وتصاعدها، ونسبة ذلك إلى الإنتاج المحلي. 5- أزمة الغذاء: بالرغم من أهمية القطاع الزراعي في اقتصاديات البلدان الإسلامية عدا الخليجية إلا أن العجز عن تلبية الطلب المحلي المتزايد على السلع الغذائية جعل معظم الدول الإسلامية تصبح منطقة عجز غذائي كبير ومتزايد، ولا سيما في السلع الأساسية، والاستراتيجية التي لا غنى عنها مثل القمح . وهي تنفق مبالغ كبيرة لاستيراد تلك الموارد، الأمر الذي يشكل استنزافا لاقتصاد الدول الإسلامية، إضافة إلى التبعية الغذائية للدول المتقدمة المصدرة للغذاء . 6- أزمة المياه: يعتبر مورد المياه من المقومات الأساسية للتنمية، وتتركز مشكلة المياه في الأقطار الإسلامية بسبب توزيعها غير المتكافئ، فهو بين توفره بشكل كاف في بعض الأقطار إلى ندرة شديدة في بعضها الآخر، وما يترتب على ذلك من جفاف وتصحر ، إضافة إلى أن تكلفة وأسعار المياه سوف تشهد ارتفاعا كبيرا بالمقارنة بمستواها الحالي . 7- الإنفاق العسكري: إن التسلح والإنفاق العسكري والخسائر الباهظة التي تسببها الصراعات العسكرية ( الإسلامية ) قوضت استجابة الحكومات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، ففي عالمنا الإسلامي غلب مفهوم ( الأمن ) في إطاره الضيق على مفهوم التنمية الشاملة . 8- التعليم: واقع التعليم في الأقطار الإسلامية واقع مؤلم ومأساوي، وتتجلى أزمة التعليم هذه في الجوانب التالية: غياب فلسفة تربوية واضحة المعالم، وانتشار الأمية، والوضع التعليمي للمرأة المسلمة، والاهتمام بالتعليم النظري دون التعليم الفني، وهجرة العقول المسلمة، وقد دعم المؤلف كلامه بالأرقام والجداول الإحصائية التي تعبر عن حقيقة الأزمة وحجمها . 9- وسائل الاتصال: إن معظم الدول الإسلامية تعاني من قصور فاضح في الاتصالات والمواصلات، وذلك إذا قورنت بالدول الصناعية، وقد أكد المؤلف هذه الحقيقة بالأرقام والجداول المفصلة . مظاهر وأسباب العولمة : يقول المؤلف: العولمة اقتصادية في مظهرها العام، وعلى رغم التطورات والتغيرات المتسارعة التي حدثت في النصف الأخير من القرن العشرين والتي كان لها الأثر الكبير على مجريات اقتصاديات العالم فإن معظم الكتاب يجمعون على أن هناك أربعة عناصر أساسية يعتقدون أنها أدت إلى بروز تيار العولمة وهي : - تحرير التجارة الدولية . - تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة . - الثورة المعرفية . - تعاظم دور الشركات متعددة الجنسيات . ويمكن إجمال الحديث عن هذه العناصر على النحو التالي : 1- تحرير التجارة الدولية : ويقصدون به تكامل الاقتصاديات المتقدمة والنامية في سوق عالمية واحدة مفتوحة لكافة القوى الاقتصادية في العالم وخاضعة لمبدأ التنافس الحر، وبعد الحرب العالمية الثانية رأت الدول المنتصرة ضرورة قيام نظام اقتصادي عالمي يخدم بالأساس مصالحها، ومصالح البلدان الصناعية بصفة عامة، وقد مهد مؤتمر ( بريتون ودز ) عام 1944م الطريق لتأسيس النظام الاقتصادي العالمي الحديث حيث تم بموجبه إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والاتفاقية العامة للتعرفة والتجارة ( الجات). ومع الانتقال من (الجات) إلى منظمة التجارة العالمية التي تسعى إلى إلغاء كل الحدود التجارية في العالم انتقل الاقتصاد العالمي إلى مرحلة اشتراكية السوق، أو دكتاتورية السوق، وأن الفوائد المرتقبة للعولمة ستكون موزعة توزيعا غير عادل وغير متكامل في داخل الدول النامية. وفيما بينها وبين المتقدمة، بل وبين المتقدمة نفسها . 2- تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة: حدثت تطورات هامة خلال السنوات الأخيرة تمثلت في ظهور أدوات ومنتجات مالية مستحدثة ومتعددة، إضافة إلى أنظمة الحاسب الآلي ووسائل الاتصال والتي كفلت سرعة انتشار هذه المنتجات، وتحولت أنشطة البنوك التقليدية إلى بنوك شاملة تعتمد إلى حد كبير على إيراداتها من العمولات المكتسبة من الصفقات الاستثمارية من خارج موازنتها العمومية، ويرجع ذلك إلى سببين رئيسيين هما : أ تحرير أسواق النقد العالمية من القيود . ب الثورة العالمية في الاتصالات الناجمة عن الأشكال التكنولوجية الجديدة . 3- التقدم العلمي والتكنولوجي : وهو ميزة بارزة للعصر الراهن، وهذا التقدم العلمي جعل العالم أكثر اندماجا، كما سهل حركة الأموال والسلع والخدمات، (وإلى حد ما حركة الأفراد)، ومن ثم برزت ظاهرة العولمة، والجدير بالذكر أن صناعة تقنية المعلومات تتركز في عدد محدود من الدول المتقدمة أو الصناعية دون غيرها . 4- الشركات متعددة الجنسيات: إذا صح وصف هذا العصر بأنه عصر العولمة، فمن الأصح وصفه بأنه عصر الشركات متعددة الجنسيات باعتبارها العامل الأهم لهذه العولمة . ويرجع تأثير هذه الشركات كقوة كبرى مؤثرة وراء التحولات في النشاط الاقتصادي العالمي إلى الأسباب التالية: أ تحكم هذه الشركات في نشاط اقتصادي في أكثر من قطر، وإشاعتها ثقافة استهلاكية موحدة . بقدرتها على استغلال الفوارق بين الدول في هبات الموارد . ج مرونتها الجغرافية . ويأخذ بعضهم على هذه الشركات ما يلي : 1- تناقضها بين وجهها التوحيدي للعالم، ووجهها الأخر وهو كونها رمزا للسيطرة الاقتصادية ومن ثم السياسة. 2- عدم وجود قواعد وضوابط قانونية أو اتفاقات دولية ملزمة لها مما شجعها على انتهاك قوانين العمل وحقوق الإنسان. 4- إن قادة هذه الشركات من كبار الراشين على مستوى العالم. وأما المدافعون عن هذه الشركات فيشيرون إلى مساهمتها في العملية التنموية حيث توفر فرص التدريب والعمل وتدفع الضرائب التي يمكن استخدامها في البرامج الاجتماعية، كما أنها تنقل التكنولوجيا المتطورة، وتعود بالقطع الأجنبي، وتساعد في بناء قاعدة صناعية في البلدان الفقيرة .. الخ . ويرى المؤلف أن هذه المزاعم مبالغ فيها، وأن أهدافها الأساسية هو تعظيم وتراكم أرباحها، وهذه لا يتحقق عادة إلا على حساب شعوب الدول الفقيرة. تم إعداد الموضوع بالتعاون مع موقع ثمرات المطابع www.thamarat.com