الفصل الخامس (الجزء الرابع والأخير) لماذا ننام؟ (نظريات النوم)!
(من كتاب بحوث في.. النوم والأحلام والتنويم (المغناطيسي) للدكتور أنور حمدي النوم.. أسراره وخفاياه لقراءة الفصول السابقة انظر أسفل الصفحة.. سر اليقظة! فما هو (سر اليقظة)؟! وكيف تحدث؟! ولماذا؟ .. لقد وجدنا، وعلمنا، أن تنبه القشر الدماغي، ونشاطه وفعاليته يدل على حالة اليقظة. كما علمنا أن التنبيه الكهربائي، والإثارة لمنطقة من التكوين الشبكي، يؤدي إلى تنشيط مباشر، وتنبه ملحوظ لقشر الدماغ، وذلك نتيجة للاتصالات المكثفة بين التشكلات الشبكية والقشر الدماغي، ويحدث بالتالي حالة اليقظة، إذا كان الحيوان نائما! كما علمنا بالتالي أن وظيفة التشكلات الشبكية، هي أن تحافظ على حالة اليقظة، عن طريق نشاطها، حيث إن نشاطها وعملها يقود إلى اليقظة، ويبعد النوم. فاليقظة تحتاج إلى نشاط وحيوية مستمرة في التكوين الشبكي، الذي يعطي إشارات منشطة ومنبهة للقشر الدماغي.. فطالما استمرت التشكلات الشبكية في عملها، فإنها تحفظ، وتحافظ، على حالة اليقظة!.. حتى إذا ما انتهى عملها وكف، أو ثبطت وظيفتها وأوقفت، مثلا عن طريق تخريبها أو قطع اتصالاتها مع الأجزاء الأخرى من الدماغ، يبدأ النعاس في الظهور، ثم يأخذ النوم سبيله إلى الدماغ والجسم. .. فإذن يمكن أن تكون نقطة انطلاقتنا هي ( التشكلات الشبكية).. و( نشاط) (التشكلات الشبكية). ولعل أول سؤال يخطر على البال هنا، هو: هل هذا النشاط، ينبع من التشكلات الشبكية بالذات، أم أنه يأتيها من مصدر آخر؟ في الواقع، لقد ثبت أن التشكلات الشبكية، ليس لها القدرة الذاتية على النشاط والتنشيط! وإنما يجب وينبغي أن يتم تنشيطها وإثارتها، عن طريق تلقيها الإشارات والإثارات والمثيرات، من مصادر أخرى!.. فلقد تبين أن التنبيهات والمثيرات الواصلة إلى التشكلات الشبكية، إنما تأتي على شكل إشارات حسية واردة من العضلات، وإشارات بصرية واردة من العينين (في حالة فتحهما)، وإشارات ألمية وحسية واردة من الجلد، وإشارات حسية حشوية واردة من الأحشاء الداخلية (المعدة والأمعاء)، وإشارات سمعية صوتية واردة من الأذنين.. وتتجمع هذه التنبيهات والإشارات، وتنتقل على شكل (سيالات عصبية) تصعد إلى (الأعلى)! عن طريق المسارات العصبية الصاعدة، حتى تصل إلى المخ المتوسط، وفيه التكوين أو التشكلات الشبكية، فتعمل عندئذ على استثارة وتنبيه وتنشيط هذه التشكلات.. وبعد أن يتم في هذه التشكلات تكامل وتكبير هذه السيالات العصبية(المثيرات) فإنها تنقلها إلى المهاد. ومن ثم إلى القشر الدماغي وذلك عن طريق الاتصالات العصبية المكثفة الموجودة بينهما، كما ذكرت،.. وهناك تعمل هذه المنبهات والمثيرات على تنشيط القشر الدماغي واستثارته بدرجات متفاوتة حسب شدتها! حيث تتفاوت أنماط التنبيهات الحسية في قوتها.. فبعضها أكثر قوة من بعض، من حيث القدرة على إحداث استجابة اليقظة، حيث تعتبر المنبهات الألمية كالوخز والحرق الخ، والمنبهات الحسية الجسمية الباطنية،من أكثرها قوة. .. فإذا كانت هذه المنبهات ضعيفة، ونحن نيام، فإنها تؤدي بنا إلى التقلب في الفراش، أو تحريك العيون، أو اهتزاز الرموش لفترة قصيرة!.. وأما إذا كانت هذه المنبهات قوية، فإنها تعمل عندئذ، إذا كنا نياما، على إحداث اليقظة! هذا، ولما كانت الاتصالات الموجودة بين (القشر) و(التشكلات الشبكية) تعمل على (جهتين) أو(بالاتجاهين)!.. حسب (رد المعروف بالمعروف) أو حسب المثل القائل: (حك لي أحك لك!).. أو بالتعبير العلمي الرصين: حسب ( نظام التغذية المرتدة)! الذي يمثله الشكل التالي: نشاط العامل(1) يؤدي يؤدي نشاط العامل (2) فإنه، كما نشطت التشكلات الشبكية القشر الدماغي، فإن القشر الدماغي بنشاطه يؤدي بدوره إلى زيادة نشاط التشكلات الشبكية، وبالتالي فإنه يحافظ بهذا الشكل على درجة من التنشيط للتشكلات الشبكية، ما دام أنه قد تمت استثارة التشكلات الشبكية، بمثيرات قادمة من المناطق الحركية القشرية.. وهذا يوضح لنا أهمية الحركة، في إبقاء الإنسان في حالة يقظة! ونلاحظ هنا أيضا أن دارة من نظام التغذية المرتدة، تعمل.. حيث أن نشاط التشكلات الشبكية يزيد من مستوى النشاط العضلي في الجسم كله، كما أن تنشيط التشكلات الشبكية يؤدي إلى نقل التنبيهات الجسمية إلى الجهاز العصبي المركزي، ولا سيما تلك التنبيهات الباطنية من العضلات، وذلك لأن لها درجة عالية من استثارة وتفعيل التنشيط. وهكذا فإن نشاط التشكلات الشبكية يؤدي إلى زيادة نشاط العضلات، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة في درجة استثارة التشكلات الشبكية! وكذلك نجد أن النشاط القوي لأي جزء من المخ الأمامي، وهو الذي يختص بالملكات الفكرية والعمل العقلي، يعمل أيضا على تنشيط التشكلات الشبكية، وبالتالي يمكن أن يكون مصحوبا بدرجة عالية من اليقظة! .. ولعل هذا يوضح لنا لماذا لا يحدث النوم، على الرغم من توفر كل الظروف الخارجية الملائمة له من ظلام وهدوء وفراش وثير!( أي في حالة زوال كل المنبهات الخارجية(تقريبا) في حالة نشاط القشر الدماغي، وانشغاله في موضوعات تستثير القلق أو الانشغال والتفكير!.. فالسبب هو استمرار تنبه التشكلات الشبكية من المصدر القشري الدماغي، نتيجة لاستمرار عمله، ونشاطه العقلي والفكري، على الرغم من توقف المثيرات الخارجية المحيطية! .. ولعل ما ذكر يوضح لنا أيضا، بعضا من أسرار فريضة صلاة الصبح، ولاسيما في المسجد! حيث تتم في هذه الصلاة، مجموعة كبيرة من الحركات بالإضافة إلى النشاط العقلي والفكري- المصاحب، من تأمل وخشوع وتفكر وتدبر ودعاء وقراءة! فكل ذلك، كما رأينا، يعمل على زيادة درجة اليقظة، عن طريق تنبه (التشكلات الشبكية) الناجم عن نشاط (القشر الدماغي)، مما يهيئ الإنسان لا ستقبال يومه بيقظة تامة ونشاط جسمي وفكري! فسبحان خالق العباد العالم بما يصلح لهم! .. بالإضافة إلى المثيرات والمنبهات، التي ذكرت، والتي تعمل على تنشيط التشكلات الشبكية وإثارتها، والتي أتت من العضلات والأحشاء والعين والأذن والجلد و.. الخ،فإنه يوجد أيضا، مثيرات ومنبهات أخرى، تأتي من أماكن أخرى! فلقد افترض وجود تنبيهات صادرة عن مناطق معينة من المهيد، تؤدي إلى تنشيط التشكلات الشبكية، وبالتالي إلى اليقظة!.. فلقد وجد بالتجريب، أن تنبيه المناطق الظهرية للمهيد، يؤدي إلى استثارة الجهاز العصبي الودي بصفة عامة، ولما كان تنشيط واستثارة الجهاز الودي، معناه إطلاق هرمون الايبنفرين ( الأدرينالين)، فإن هذا ما يزيد من درجة اليقظة عن طريقين: الأول: هو ما يصاحب نشاط الودي من مظاهر تزيد الإثارات والتنبيهات الواردة من الأعضاء والأحشاء إلى التشكلات الشبكية، مثل اتساع حدقة العين التي تزيد المؤثرات الضوئية البصرية، وزيادة ضربات القلب، وارتفاع الضغط الشرياني، وغيره، من المظاهر المصاحبة، والتي تعمل كلها على زيادة التنبيهات الواصلة إلى التشكلات الشبكية، وبالتالي إلى زيادة اليقظة!. والثاني: فهو أن الأدرينالين له تأثير مباشر وقوي في زيادة نشاط منطقة معينة من التشكلات الشبكية. وبالتالي طبعا، يقود هذا إلى زيادة نشاط قشر الدماغ، الذي يقود بدوره إلى تنشيط تفعيل المناطق الظهرية للمهيد، مكملا الدارة المغلقة، من نشاط الودي ونشاط لب الكظر، وإفراز الأدرينالين.. الذي يعاود التأثير على التشكلات الشبكية في دورة من نظام (التغذية المرتدة) التي سبق الحديث عنها. وهكذا نلاحظ أن تنبيه العصب الودي، يساعد على إبقاء اليقظة، وبالتالي فإن تثبيطه يسهل النوم!.. بينما على الطرف الآخر، نجد أن نظير الودي له تأثيرات معاكسة، حيث يلاحظ أثناء النوم، علائم تدل على درجة من فرط نشاطه! وهكذا نجد أن الجهاز العصبي الذاتي (الودي ونظير الودي)، يتدخل أيضا في إحداث النوم، ولو كان تدخله ثانويا!. .. فإذن مما ذكر سابقا، نلاحظ أنه توجد ثلاثة أنظمة من ( التغذية المرتدة) هي: 1-من التكوين الشبكي إلى لحاء الدماغ ( أو قشره)، ومنه ثانية إلى التكوين الشبكي. 2-من التكوين الشبكي إلى العضلات الطرفية، ومنها ثانية الى التكوين الشبكي. 3-من التكوين الشبكي إلى لب الكظر، ومنه ثانية الى التكوين الشبكي، وذلك عن طريق هرمون الأدرينالين. هذه الأنظمة الثلاثة، تعمل معا، على رفع درجة إثارة التشكلات الشبكية، وبشكل تدريجي مستمر، طالما أنه بدء بتنشيطها! مؤدية بالتالي إلى زيادة اليقظة. وهكذا فإن الشخص أو (الحيوان) بعد أن يصبح يقظا، فإنه يميل لأن يظل يقظا (لبعض الوقت)!، نتيجة لعمل ونشاط التشكلات الشبكية،والتي تسمى من أجل ذلك (بالجهاز المنشط الشبكي)، من خلال الأنظمة الثلاثة السابقة الذكر، المنشطة والمثيرة. ... وهكذا تكون اليقظة هي عبارة عن (التعبير)! عن التوازن الحركي (الدينامي) الموجود بين تنشيط شبكة الخلايا الدماغية والتي يقيمها ويحدثها التصادم المستمر لكل من التنبيهات والمثيرات (الصاعدة) القادمةمن المحيط، والتنبيهات (الترابطية) الناجمة عن الاتصالات الموجودة بين المناطق المختلفة الدماغية والتي تؤثر ببعضها البعض، حيث إن مجموع التنبيهات (الصاعدة) تساند وتدعم حركة الاستثارة القشرية، وبالتالي تؤدي إلى مساندة حالة نشاط اليقظة! .. ولكن حالة اليقظة، لا تستمر، كما هو المفروض أن يكون لمن ينظر إلى نظام التغذية المرتدة! ذلك أن الشخص أو الكائن، يميل لأن يظل يقظا (لبعض الوقت) فقط!. فكيف نستطيع أن نعلل ذلك؟! في الحقيقة يأتي التعليل من خلال عرضنا لنظرية (التغذية المرتدة لليقظة والنوم)! ج نظرية التغذية المرتدة لليقظة والنوم .. هذه النظرية تعلل لنا، لماذا لا تستمر حالة اليقظة Waking، المفروض أن تستمر! بناء على نظام التغذية المرتدة! حيث تقول: إن الشخص (أو الحيوان)، بعد أن يظل يقظا لفترة طويلة، فلا بد أن كثيرا من الخلايا العصبية، ولا سيما تلك الخلايا الموجودة في التشكلات الشبكية، ونتيجة للعمل المستمر، والإثارات المتواصلة، لا بد أن تتعرض للإرهاق والتعب، وبشكل تدريجي!.. وهذا يعني أن تصبح أقل قابلية للاستثارة والتنشيط، أي تحتاج إلى مزيد من المثيرات الحسية المكثفة، لكي تحتفظ بعملها ( أي الإبقاء على حالة اليقظة).. وهكذا ترتفع(العتبة الحسية Threshodd)، وهي الحد الأدنى المطلوب من المثير أو من قوة المنبه لكي يحس بها الإنسان أو ( الحيوان)، وعندما يحدث ذلك، فلا شك أن درجة التنشيط والإثارة، سواء من القشر الدماغي أو من المناطق الطرفية، تبدأ في التناقص!..وهذا يقود بدوره إلى تثبيط وكف أكثر للجهاز والتشكلات الشبكية!..ومن خلال دارة نظام التغذية المرتدة، فإن ذلك معناه، تزايد في (كف) وظائف القشر والمناطق الطرفية، وأيضا بالتالي زيادة ( الكف) للتشكلات الشبكية!.. وهكذا عندما ينخفض مستوى قابلية الخلايا العصبية للاستثارة إلى (درجة حرجة)!(أي عندما تعجز المنبهات أو المثيرات التي تستقبلها هذه الخلايا، تعجز عن إثارة العتبة الحسية المتزايدة،) تقوم عندها (حلقة مفرغة)!.. إلى أن تخبو وتنطفئ كل أو معظم المكونات المحدثة لنظام التغذية المرتدة، وعندها يكون (النوم) قد.. حل! حيث في هذه الحالة، تكون التشكلات الشبكية، في حالة خمود كاملة!.. كما تصاب التشكلات الشبكية الصاعدة ( بنهي عصبي)! يمنع وصول جميع الإثارات (السيالات العصبية) الفاعلة الصاعدة، نحو القشر الدماغي، مما يؤدي بالتالي إلى (نهي) اللحاء وحدوث.. (النوم)! حتى إذا ما كانت التشكلات الشبكية والخلايا العصبية المتدخلة في نظام التغذية المرتدة في حالة السكون والراحة والخمود هذه، لفترة من الزمن، فإنها تستعيد عندئذ درجتها العادية من القابلية للاستثارة ( أي ينخفض مقدار عتبة اليقظة) ويصبح مجرد أي مثير صغير أو بسيط يوقظ الكائن! ولكن حالة اليقظة، لا تحدث حتى تقوم بعض (إشارات اليقظة) بجعل التشكلات الشبكية تعاود نشاطها، آذنه لها ببدء العمل، ومعطية إليها ( دفعة التشغيل)!.. وكأنها (الشرارة الأولى) اللازمة والضرورية (لا ستمرار) الاشتعال..بعد..(ابتدائه)!!.. وما أن يتم ذلك، حتى تعود عندها مركبات التغذية المرتدة إلى العمل والاستمرار فيه، وعندها يمر الكائن من حالة النوم إلى حالة اليقظة مرة أخرى! .. وهنا لما كانت الاتصالات العصبية، أي الألياف والمسارات الواصلة، بين أنظمة التغذية المرتدة، ليس ليفا واحدا، أو أثنين، أو عشرة، أو مائة!.. بل ملايين من المسالك والمسارات والألياف!.. فإن هذا يفسر لنا، لماذا يمكن أن توجد درجات متفاوتة من الصحو والنوم؟! فعندما يعمل نظام التغذية المرتدة من خلال بعض المسالك القليلة، نسبيا، من هذه المسالك العديدة، فلا شك أن حالة اليقظة ستكون خفيفة!.. و كلما زاد التنشيط وزاد بالتالي عدد المسالك المستعملة في وقت واحد، فإن درجة اليقظة، ستكون بلا شك أكبر!.. وهكذا.. ولما كان عدد المسارات والمسالك و(التوصيلات) التي يمكن أن تعمل في وقت واحد، إنما يعتمد على مقدار و درجة التأثيرات التنبيهية، التي ترد إلى التشكلات الشبكية، فإنه كلما زادت درجة الإشارات من مناطق القشر الدماغي المختلفة، ومن مناطق التغذية المرتدة، كلما زاد عدد المسارات المستعملة، وبالتالي، كانت درجة اليقظة أكبر!.. هذا، ولعل أن أحد الشواهد الهامة والتي تؤيد نظرية التغذية المرتدة لليقظة والنوم،إنما هو (الاسترخاء العضلي)! فمن المعروف أن الاسترخاء الكامل للجهاز العضلي في الجسم، يمكن أن يؤدي بالكائن، وفي كثير من الأحيان، إلى النوم، على الرغم من عدم وجود تعب عضلي أو عصبي أو فكري!! .. فلا شك أن هذا الاسترخاء، أدى إلى إنقاص، أو حتى إنعدام، التأثيرات التنبهية القادمة من العضلات، والمؤثرة والمنشطة للتشكلات الشبكية، وبالتالي سبب (كسر) حلقة هامة، إن لم تكن الأهم! من الحلقات الثلاث المشكلة لنظام التغذية المرتدة، والعاملة على الحفاظ على حالة اليقظة!.. ومن المؤيدات الأخرى، المعروفة أيضا لهذه النظرية هو أن.. البعد عن الضوضاء، والرتابة، والهدوء والسكون، وتعتيم الغرفة، وإغلاق العينين، والدفء المحيطي الذي يبعث على الراحة! كل ذلك من الممكن أن يجلب النوم، ويجعل الكائن أكثر استعدادا له! وما السبب في ذلك إلا قلة المنبهات والمثيرات، أي قلة الرسائل العصبية، الناجمة عن الظروف السابقة، والتي تصل إلى التشكلات الشبكية، مما يؤدي بالتالي إلى (كف) نشاطها، أي كف نشاط جهاز التوعية والتنشيط، والتهيئة إلى (غزو النوم)! ولعل تجارب فريدريك بريمر، البلجيكي Bremer التي أجريت عام 1935 تشكل البرهان والمؤيد العملي لهذه النظرية! فعندما قطع قطعا عرضيا جذع الدماغ (أي ساق المخ Brain stem، حتى مستوى قريب من الرقبة عند القطط وجعلها مشلولة paralyzed، أي بعبارة أخرى، أنقص وأزال جميع المؤثرات والمثيرات، ( الممكنة الوصول الى التشكلات الشبكية والقشر)، وجد عندما درس نشاط الدماغ عندها، وهي في هذه الحالة، أن نشاطه يشبه نشاط الدماغ عند القطط العادية الطبيعية (النائمة)! أي أن نشاط مخها وهي مشلولة، معزولة عن المثيرات الخارجية، يشبه نشاط مخ القطط (النائمة) الطبيعية! وكذلك وجد بتجارب أخرى، أن قطع الجذع الدماغي، عند القطط في نقطة تقع، أعلى من موقع الحديبات مربعة التوائم Quadrigeminal tuber، أي قطع كل المثيرات الممكنة، يؤدي إلى ظهور النظم (دلتا) في مخطط كهربائية الدماغ، وهو النظم الدال على (النوم)!.. رغم أن القطط غير مخدرة!! وكذلك وجد بتجربة أخرى، أنه لدى قطع المحور الدماغي الشوكي في نقطة تقع تحت (البصلة)، فإن النظم ( بيتا)الدال على حالة اليقظة يكون موجودا!.. حتى إذا ما حذفت جميع الفعاليات الحواسية والحسية، عن طريق قطع الجذور العصبية، الواردة إلى البصلة، فإن النظم ينقلب، ويصبح نظم (دلتا)، وهو النظم الدال على (النوم).. ..وهكذا، ومن كل ما ذكر، نلاحظ أن اعتدال، أو قلة، أو توقف، المثيرات (السيالات العصبية)، الواردة إلى القشر الدماغي، عن طريق التشكلات الشبكية، يهيء الكائن للنوم و يوقعه فيه! فالنوم موجود أصلا! وكل ما يحتاج إليه الأمر، هو أن ندفع الكائن، عن طريق إزالة المثيرات إلى الوقوع فيه! فكأنه (أي النوم) والحالة هذه، (حفرة سلبية) يصل الكائن إلى قرارها، دون أن يبذل أي مجهود منه!.. وليس هو (مرتفع) إيجابي يحتاج الكائن للوصول إليه، إلى بذل مجهود وعمل، والقيام بوظيفة! وهذا ما يشير إليه هيس Hess بقوله: إنه يبدو من التناقض أن نطلق لفظ (وظيفة) على النوم!.. لأن أبرز علامات النوم، هو (طبيعته السلبية)! .. فما النوم إلا عبارة عن (اختفاء) حالة اليقظة، تلك الحالة الإيجابية التي تتطلب مثيرات ومنبهات وفاعليات، لاستمرارها! .... ولكن! إذا كان النوم كذلك، (فقط)! .. فكيف نستطيع إذن أن نفسر ونعلل خاصية الدوران والدورية فيه، وحدوثه على الرغم من استمرار شحنة المثيرات والمنبهات؟! فلقد وجد أنه علىالرغم من تعريض الفئران لشحنات حسية ومثيرات ومنبهات دائمة طوال اليوم (أي طوال الليل، وطوال النهار) فإنها استمرت في اللجوء إلى النوم..وفي دورات منتظمة! فرغم أن المثيرات مستمرة...إلا أن النوم قد حدث!! وإذا عللنا ذلك، بحدوث التعب في (التشكلات الشبكية)! كما ذكرت، ألا نكون في الحقيقة قد عدنا من حيث بدأنا، من ( أننا ننام حين نتعب)؟!.على الرغم من أننا أصبحنا أكثر دقة، فاستعملنا أسماء لمناطق دماغية معينة، عوضا عن استعمال كلمة التعب على إطلاقها وبدون تحديد! .. ألا نكون قد رجعنا من حيث أتينا؟! وإذن؟! إذن يجب علينا أن (نعترف) أن النوم ليس هو (مجرد) توقف الجسم أو الجهاز العصبي أو (التشكلات الشبكية) عن العمل!.. وأنه ذو طبيعة (سلبية)!.. ..بل، هو نتيجة لنشاط عصبي في أحد أجزاء الدماغ، يؤدي إلى(كف) النشاط فيما سواه، فهو ذو طبيعة (إيجابية)! ينتج عن عمل وفعل نشاط لجزء من الدماغ! فلقد تبين أن ( التنبيهات) الصادرة عن أجزاء معينة من المنطقة الجانبية Lateral والمنطقة الأمامية Frontal للمهيد، نتيجة نشاطهما، تؤدي غالبا إلى (كف)مناطق من الجهاز الشبكي المنشط أي التشكلات الشبكية المنشطة، عن طريق هرموني، غير واضح ومحدثة حالة من (النعاس) ومؤدية أحيانا إلى (النوم) الفعلي! وكذلك أيضا، وجد أنه حتى التنبيهات والإثارات و(السيالات) الواردة من الأحشاء والأعضاء الداخلية، فإن كثيرا منها يذهب إلى منطقة في المخ المستطيل تسمى (بنواة المسار الأوحد) يكون لنشاطها وإثارتها، تأثير تعادلي (كف) على التشكلات الشبكية! بل حتى التنبيهات التي ترد إلى التشكلات الشبكية، بالذات، يكون لها فعل مثبط عليها،، وبالطبع ينتشر هذه الفعل المثبط إلى المناطق الأخرى، إذا كانت هذه التنبيهات ذات (تردد بطيء)! كما هو الحال في التنبيهات الواردة من الأمعاء، أثناء حركتها خلال الهضم! (ولعل هذا يفسر لنا رغبة المرء في النوم، بعد تناول وجبة دسمة)! وكما هو الحال أيضا في تلك التنبيهات النمطية (أي علىنمط واحد) التكرارية، الشبيه بالتي تستعمل في حالات التنويم المغناطيسي، والمشاهدة والمستعملة عند تنويم الأطفال مثلا.. مثل الهدهدة، والتربيت على الظهر، بإيقاعات بطيئة على منوال واحد! فكل هذه (المثيرات) تتحول إلى (مثبطات)! للتشكلات الشبكية. وتقود بالتالي، وظيفة التشكلات الشبكية ( التثبيطية)!.. تقود من خلال (نشاطها التثبيطي)! إلى (النوم)! .. فالنوم، لم يعد إذن (حالة سلبية) بل (وظيفة إيجابية)! لها قيمة بقائية: أي تحافظ على بقاء الكائن الحي، وتحميه، وتؤدي له عملا.. فالنوم.. ظاهرة (فاعلة)! أكثر منه ظاهرة (منفعلة)! وهو وظيفة (إيجابية) لأقسام دماغية.. تعمل!.. فننام!! (تنشط) أماكن.. (فتتثبط) أماكن أخرى! و(تثار) مناطق..(فتكف) مناطق أخرى! ومن خلال: (تنشط) و(إثارة)، و(تثبط) و (كف).. .. ننتقل.. ..من (يقظة) إلى (نوم)! .. وإذا وصلنا إلى هذه النقطة، لم يعد لنا الحق في الكلام!! وإنما الحق في الكلام هو (لبافلوف)! فتلك نظريته، وتلك آراؤه!!.. فإلى نظرية (بافلوف).. وما قاله (بافلوف)!! سيتم نشر الفصل السادس يوم الثلاثاء 2 ربيع الاول 1423هـ الموافق 14 مايو 2002م