الطلسم هو اليوم الأول من رواية الدنيا أيام ثلاثة!!

?? اسم الكتاب: الدنيا ثلاثة أيام ?? اسم المؤلف: إبراهيم الكوني الناشر : دار الملتقى للطباعة والنشر 2001م يواصل الكاتب الليبي إبداعاته الفكرية النابعة من الصحراء العربية، ومن بيئة السفر والتنقل والترحال والجبال والرمال. ويقدم روايته هذه بعد مجموعة من كتب النصوص والفلسفة، وهذه الرواية كسابقاتها تمتلئ بالفكر الأسطوري، وتعتمد عليه لتقديم أفكار الكاتب عن الواقع الحالي للعالم الذي نعيشه. الطلسم أول الأيام: عنوان الرواية يوحي بأن هناك ثلاثة أنواع من الأيام، يقدمها لنا المؤلف بفكرتين، نجد الأولى موسعة وشاملة، فهو يرى أن اليوم الأول هو الطلسم، حيث المجهول والذي يحتاج إلى تفسير فإنه أول الحياة أو أول الطريق. والمؤلف يجعل من كلمة الطلسم طلسما ليزيد في الهالة حول الكلمة ويزيدها غموضا وطلسمة، ويفسرها بقوله: يروون عن الطلسم أنه كشجرة( تورها) التي تتخذها أقوام الجن أوكارا، من أراد أن ينجو من شرها، فلا حيلة له ألا ان يلتجئ إليها لهذا السبب اعتادت القبائل أن تتخذ من أعرافها تمائم تنصبها بجوار الركائز، أو تبثها فوق الأخبية كي ترهب بها الجن الذين يروق لهم أن يتسللوا إلى المضارب ليغزو البيوت .. الطلسم، بالمجهول سر قوته، ولكن الطلسم بالوقوف على السر، علة هلاكه. البلبلة هي اليوم الثاني: اليوم الثاني يسميه الكاتب البلبلة، وهو اختيار قد يعترض عليه البعض، ولكنها في واقع الحياة البشرية، يمر الإنسان فيها بمرحلة الشكوك وعلامات الاستفهام المتناثرة في كل مكان في حياته، فما الحكمة من الزواج إذا كان أكثر المحبين ينتهي زواجهم بالطلاق، ولماذا الإنجاب إذا كان الأبناء يسببون الأوجاع والقلق في حياة الوالدين؟ ولماذا لا يقنع الإنسان بما لديه، ودائما ينظر إلى ما حوله ويطلب المزيد؟ وهذه الأسئلة ليس لها نهاية، بل تمتد إلى كل ركن في الحياة، إنها فترة البلبلة التي تمر بكثير من المفكرين. اليوم الثالث !! اليوم الثالث، فهو يسميه يوم الوصية، ومنها يستوحي القارئ أنها النهاية، فالوصية هي من الراحلين للباقين، أو أنها السر الدفين كما يرمز لها هذا الكاتب، ويقول في حوار فلسفي طويل بين الحكيم والغريب: يقول الحكيم - خلق لا يناوشهم السر سعداء، وصاحب السر بين الخلق أشقى! -يهون الأمر كثيرا لو أعلن السر عن نفسه يوما. -يرفق مولاي بالمملوك الذي يقف بين يديه، لو تنازل عن لغة الأحاجي مرة! -غموض السر بلاء في رقبة صاحب السر، السر لا يفصح، ولا يتستر، لا يتبدى، ولا يتنحى. -مثله في ذلك مثل كل الأسرار ؟ -كلا! سر الوصية ليس سرا ككل سر، بداية سر الوصية وجع، ومسيرته بلبال، وخاتمته هلاك. -هل توجع مولانا كثيرا؟ - ألم يخبرنا الناموس المفقود أن الصحراء ليست سوى رحلة وجع؟ هل من حق العابر أن ينتظر من رحلة الوجع شيئا آخر غير الوجع؟ الأيام الثلاثة المتقاربة: ولكن المؤلف يقدم لنا في روايته أياما ثلاثة أخرى متقاربة يقدمها لنا الكاتب بحوار صحراوي أسطوري فيقول: الضيافة في ناموس الصحراء أيام ثلاثة. -كنا سنعترف بناموس الضيافة أياما ثلاثة ككل القبائل لولا يقيننا بأننا لسنا في الصحراء إلا ضيفين، لا يأخذان من دنياهما إلا أياما ثلاثة. -صدقت، لأن ناموس أمم الصحراء في الضيافة مستعار من ناموس الأولين الذين أيقنوا أن الحياة لا تهبنا إلا الأيام الثلاثة: أمسنا الذي مضى، ويومنا الذي سيمضي، وغدنا الذي قد يأتي، وقد لا يأتي. الحياة الصحراوية هي الحياة!! للكاتب حب وعشق للصحراء، ففي جميع رواياته، نجده العاشق المتيم بحب الصحراء فهو يرى رمالها شواطئ، وصخورها أشجار، وشمسها هي إكسير الحياة في الصحراء، وفي هذا الكتاب يصف المعاهدة غير المكتوبة بين أهل الواحات، وبين أهل الصحراء، ويقول: بعد الشريط المعشوشب المحشور بين شطآن الوادي الممتد جنوبا تستلقي صحراء صارمة مفروشة بصنف آخر من الزروع: الحجارة والظمأ، وسرابيل السراب، وأسراب أولئك الفرسان الذين قطعوا على أنفسهم عهدا بحماية الواحة من جشع المغامرين، ومظالم القبائل المعادية، مقابل أن تحميهم الواحة من غول عرفوه في ثالوث الظمأ والجوع والشيخوخة، لأن الفرسان مخلوقات لا تصرعها أنصال السيوف، ولكنها تهلك بالظمأ ولا تموت بأيدي الأعداء، ولكنها تبيد بالمجاعات، ولا ينالها جبروت الصحاري، ولكنها تنهزم بطغيان الشيخوخة. ولكن هذا الاتفاق غير المكتوب لا يعني تفضيل أهل الواحات على أهل الصحراء، فهو يواصل حديثه عن طلاسم أهل الصحراء ويقول: تلتجئ السلالات المهاجرة إلى الواحات دائما عندما يعم الجفاف، أو تتسلط المجاعات، أو يتبرم الدهر، لأن القبائل جربت أن القوافل التي تحمل الخلق ليعتصموا بجدران الواحات من بلايا الأزمان، أسوأ حظا من القوافل التي تخرج من أسوار الواحات فرارا من أوبئة الجدران والاستقرار والاسترخاء حتى لو أسن رجالها وقطعوا في رحلة العمر شوطا رذيلا. امتداد لنفس الفكر: مؤلفات هذا الكاتب جميعها تدور حول أحداث صحراوية، وحياة الناس فيها، ولكنها دائما تهتم بالصحراء غير المسكونة بالمدن، إن المؤلف يتكلم عن حياة البادية الصحراوية، ولكن هذا الكاتب يرينا في هذه الحياة البسيطة أسرار الحياة والفكر، فهو يملأ كتابه برسائل صغيرة في كلماتها كبيرة في معانيها التي تملأ كتبه السابقة، والتي تزيد عن 36 كتابا، وفي هذا الكتاب الكثير من هذه الرسائل المنيرة ومنها قوله: أخشى أنك لن تجد إلى الغلبة سبيلا إذا راهنت على سلطان زائل اسمه القوة! بالبدن ذهب الإنسان إلى الباطل، وبالتحرر من الجسد ذهب قرينه الجان إلى الخلود، وبالعقل ذهب الإنسان إلى الخلود، وبالتحرر من العقل ذهب الجان إلى النسيان. إذا غلبك القرين بسلطان الجرم، فاستعن عليه غدا بسلطان الدهاء. ???