هلوسة فكرية في كتاب

?? اسم الكتاب: سفن قديمة ?? اسم المؤلف: إبراهيم عبد المجيد الناشر: ميريت للنشر والمعلومات القاهرة طبعة 2001م ?? 12 قصة قصيرة، أطولها عشرون صفحة، ومنها مالا يزيد عن ثلاث صفحات، ولكنها تحتاج إلى وقت طويل لفهمها وحل رموزها، فهي ليست قصصا عادية، حيث إنها تنتمي إلى ما يعرف بالأدب الرمزي الذي يطلب من القارئ تفسيره تفسيرات منوعة. وضعت هذه القصص للقراء الذين لا يبحثون عن المتعة القصيرة، والتي نجدها في القصص القصيرة والروايات، حيث تتسلسل الأحداث وتشد فكر القارئ على النتيجة والخاتمة. وضع المؤلف هذه القصص للقراء الذين يجدون المتعة في مشاركة الكاتب في حل الرموز واستكشاف المكنون، إن القارئ لهذا الكتاب سيجد متعة تلوين هذه القصص والعمل على تفسير أفكار الكاتب. هذه القصص تمثل تحديا للقارئ، فالقارئ لا يكتفي بالتلقي السلبي، فالقصص ليست واضحة المعالم ليتفهمها القارئ العادي أو القارئ الذي لا يرغب في حل ألغازها، فالكاتب يطلب من القارئ أن يشاركه في التفكير، وأن يشغل عقله في معرفة أسرار هذه الرموز، إن هؤلاء الكتاب يتمتعون بمقدرة أدبية عالية، في قول ما يريدون ويتركون القارئ يفهمها كما يشاء. خيال منطلق في قصته الأولى بعنوان (تحت المظلة 2000) سيجد القارئ وصفا هلوسيا وجنونيا لحياة الأبطال في قصصه، يصف الكاتب حالة بطل القصة بقوله: دائما هو خارج الوقت. بالضبط مثل رجل مد قدمه ينزل من الرصيف إلى الشارع، فنزل ولكنه لم يجد الشارع، ولم يستطع العودة إلى الرصيف، ظل معلقا فوق الأرض، بعيدا عنها بشبر واحد، وينكمش ويقل حجمه، ولو كان يعرف مصدر خوفه ربما حاول أن يتغلب عليه، والحقيقة أنه متجمد في مكانه، فالرجل الذي مر أمامه منذ قليل، ووقف على الرصيف الثاني يضحك، ما لبث أن أخرج سكينا من تحت ثيابه لمعت في الفضاء، وهو يرفعها على مهل يقطع بها رقبته. انتحر أمام عينيه، وانفصل رأسه عن جسده، وتدحرج إلى زقاق اختفى فيه، بينما مشى جسده بلا عنق إلى زقاق آخر دخله على مهل، ولم يترك الحادث فوق الأرض نقطة دم واحدة لم ينتشله من الرعب غير المظاهرة الضاحكة التي مرت أمامه. مظاهرة كاملة من الأطفال العراة نظيفة أجسامهم، نبتت في ظهورهم أجنحة كيوبيد . لكنهم يرفعون لافتات صغيرة بيضاء مكتوب عليها بالأسود أنقذوا الأيتام بالعربية والإنجليزية في الوقت الذي لا يتوقفون فيه عن الضحك امتحان عقلي! إن القارئ للأسطر السابقة سيضع تفسيرات تنبع من فكره ومن تنشئته ومن تعليمه، ومن البيئة التي عاش فيها، فقد يقصد الكاتب مرحلة الضياع والتيه الذي يعيشه العالم حاليا، فهو يبحث عن شارع ولكن ليس هناك شارع يسير عليه. وقد يكون هذا الشارع هو القانون المفقود في البلد الذي يتحدث عنه الكاتب وعاش فيه؟ وماذا يقصد الكاتب بذلك الآخر الذي ينتحر ويقطع رأسه بدون دم، ويسير الجسد بدون رأس؟ إنها تصورات خيالية، ولكن قد يفسرها البعض بأنها تعني أن الزمن الحالي لا يحتاج إلى عقل ولا تفكير، وقد يعني لقارئ آخر أن هذا الإنسان تخلص من فكره وانتقل إلى مكان آخر ليعيش فكرا آخر، فهو قادر على ذلك، فذهاب الرأس لم يمنع هذا الجسد من الانتقال إلى مكان آخر وبدون تكلفة أو حرج منه أو نقطة دم منه .. ووجود الأطفال والبراءة في ضحكاتهم، هل يمكن تفسيره بأن هؤلاء الأطفال هم المستقبل؟ وهل يعني أن الأمل في المستقبل، ولا أمل في الحاضر؟ وقد يكون رسالة إلى المجتمع بأن الأجيال الحالية يتيمة، لا ولي لها، ويطلب إنقاذها!! حكم وابتسامات على الرغم من أن جميع القصص هي قصص رمزية، إلا أن بعضا منها سهلة التحليل والتفكيك، فهناك قصة مسحوق التمساح، ومحاولة الحصول على بديل لعلاج الحب. في هذه القصة الباسمة، يروي المؤلف حال ضابط شرطة يتقرب اليه أحد البائعين بمنحه علبة مناديل ورق، يضعها يوميا على مكتبه، وكان هذا الضابط ينتظر من هذا البائع طلبا أو خدمة خاصة، لذا لم يكن مسرورا من هذه الهدية التي سيدفع ثمنها، وطلب من البائع عدم تقديم هذه الهدية، لأنه يراها رشوة رخيصة، إلا أن البائع استبدل بها تبخير مكتب الضابط الذي غضب من البائع وسأله عن السبب؟ فأجابه البائع إنه يفعل ذلك كل يوم في دكانه، والله يطرح له البركة ويكثر رزقه وتكثر الزبائن عنده، ويزداد البيع. فصاح به الضابط قائلا ومن قال لك إنني أبحث عن الزبائن، إن عملي هو أن لا يكون لدي زبائن .. ونحن عكس الوضع عندك، فكلما قلت الزبائن عندنا، كلما كانت أعمالنا ناجحة .. فاحضر لي بخورا له مفعول عكس مفعول بخورك .. وسيجد القارئ الكثير من الجمل التعبيرية التي تحمل معاني فلسفية، وتحمل أفكار الكاتب، وهي منتشرة على صفحات الكتاب ومنها ما يقوله عن السعادة في قصته الأخيرة: إن السعادة هي الهدف الحقيقي للإنسان، حتى لو راح يحققها للآخرين. وإننا نبحث عن السعادة ولو عن طريق الكذب.. قصص الكتاب: كاتب موهوب يقدم عشر قصص بعناوين: تحت المظلة، رؤى البحر، مشكلات الجلوس، مسحوق التمساح، حامل كتاب السحر، الطريق إلى العشاء، صائد المجانين، تمارين على الأحلام، الطريق والنهر، الضربة القوية، سماء زرقاء، ويختمها بقصته التي تحمل عنوان الكتاب سفن قديمة. ???