مريض السكري: تناول الأرز ولا تخف!

الأرز نوع من الأغذية الكربوهيدراتية. وتسمى الكربوهيدرات بالسكريات أو النشويات. والكربوهيدرات تشمل أنواعا عديدة من الأغذية منها الأرز والمكرونة والشعيرية والجريش والخبز وجميع منتجات الحبوب والقمح. وكذلك تشمل أنواع المواد الحلوة مثل السكر والعسل والتمر وجميع الحلويات. ولعل الصفة التي تجمع مثل هذه الأغذية عندنا في هذا الموضوع هي أنها وعند أكلها تتحول جميعها إلى سكريات بسيطة داخل الجسم وتكون سكر الدم المسمى جلوكوز. من الجلوكوز تكون البداية.. إن مرض السكري له علامات ظاهرة وباطنة، فمن الأمور الظاهرية كثرة التبول والعطش وغيرها. ومن الأمور الباطنية ارتفاع مستوى سكر الدم (الجلوكوز) عن الحدود الطبيعية. إذ إن الأصل عند الإنسان ألا يزيد مستوى سكر الدم عنده على 110 مللجرامات لكل 100 جرام من دمه. وإذا ما زاد على هذا المستوى قيل عنده سكر. ورغم أن ارتفاع الجلوكوز هو المؤشر على إصابة الإنسان بالسكر إلا أن مشكلة السكري أعقد من مجرد ارتفاع الجلوكوز، فهي اضطراب في التعامل مع جميع العناصر الغذائية الكبرى والتي هي البروتينات والكربوهيدرات والدهون... المهم أن أكلنا للمواد الكربوهيدراتية يؤدي إلى رفع مستوى سكر الدم.. ومريض السكري يعاني أصلا ارتفاع سكر الدم. هكذا فهمها الأوائل.. عندما تعرف أوائل الأطباء والمتخصصين على حقيقة ارتفاع مستوى سكر الدم عند مريض السكري قالوا إذا لابد له أن يقلل من تناوله للكربوهيدرات عموما والحلويات بشكل خاص. وكانت وجهة نظرهم أن الحلويات والسكر العادي (سكر المائدة) من شأنه أن يتحول سريعا إلى جلوكوز في الدم مما يزيد حالة المريض تعقيدا. كانت هذه وجهة نظر الأوائل.. وكان ذلك في حدود عام 1920م أي قبل ثمانين سنة مضت. ولكن الأمر خلاف ذلك! خلال الثمانين سنة الماضية تقدم العلم وظهرت تخصصات وعلوم كعلوم الأغذية والتغذية، وتغيرت مفاهيم غذائية كثيرة.. وبالتدريج زاد الوعي بحقيقة مرض السكري، وبالتدريج تغير مفهوم الأوائل حول موضوع الكربوهيدرات ومفهوم السكري فبدأت التوصيات تتوالى مؤكدة بأنه لابد من رفع نسبة الكربوهيدرات في الغذاء. ولو قفزنا بالزمن لبداية الثمانينيات لوجدنا أن الأبحاث تؤكد لنا بأنه لابد أن يكون معظم أكل مريض السكري هو الكربوهيدرات، وأن رفع الكربوهيدرات في الغذاء من شأنه أن يحسن مستوى سكر الدم.. وكيف يكون ذلك؟ فهذا أمر يطول شرحه. والمقصود..! إن تناول الكربوهيدرات وإن كان على المدى القصير (بعد الوجبة مباشرة) يؤدي إلى رفع مستوى جلوكوز الدم إلا أنه وعلى المدى الطويل (طول الليالي والأيام) يساعد على تحسين حالة مريض السكري المرضية. أي أن الكربوهيدرات تخفض نسبة السكري في الدم على المدى الطويل. ولكن.. قبل الشروع في التنفيذ..! قبل أخذ الكلام السابق والانطلاق به للمطبخ لابد من تأكيد التالي: - نقرر أنه لابد لمريض السكري أن يرفع نسبة الكربوهيدرات في غذائه مقارنة بكمية البروتينات والدهون. - وبعد هذا التقرير لابد لمريض السكري أن يتناول كمية مقننة من الغذاء وتعرف بالسعرات الحرارية الكلية، ويحدد له هذه الكمية من السعرات الطبيب أو الاختصاصي المتابع لحالته المرضية. ومن الخطأ كل الخطأ أن يزيد المريض كمية هذه السعرات. - إذا حددت السعرات فهنا يقال بأنها توزع بين الدهون والبروتينات والكربوهيدرات. ويشترط دائما ألا تزيد الدهون على 30? من مجمل السعرات المقننة. ثم تأخذ الكربوهيدرات حصة الأسد ويفترض ألا تقل عن 50? حسب حالة المريض الفردية. - مرة أخرى لابد من التفريق بين كلمة نسبة عالية وكلمة كمية كبيرة. فعندما يقال أن على مريض السكري أن يرفع نسبة الكربوهيدرات في غذائه فإن المقصود بذلك هو رفع نسبتها مقارنة بالدهون والبروتينات، أي لابد أن تكون أكثر منها في الغذاء. أما عندما يقال كمية كبيرة فإن هذا يعني زيادة الكمية بصرف النظر عن كمية السعرات الكلية. وهذا أمر مرفوض لأن الصحيح هو زيادة النسبة (من السعرات التي تقنن للمريض) وليس الكمية بدون تحديد السعرات. مثال عملي.. إذا حدد لمريض السكري 2000 سعر حراري مثلا فهنا توزع بين الدهون والكربوهيدرات والبروتين. فلو قلنا إن المريض يحتاج إلى 25? دهون أي الربع من هذه السعرات وهي تساوي 500 سعر حراري (ومعلوم أن كل جرام دهن يعطي 9 سعرات حرارية)فعليه تكون الحاجة من الدهون بالجرام حوالي 55 جرام دهن. ولو كانت الحاجة من الكربوهيدرات 60? أي 1200 سعر حراري (ومعلوم أن كل جرام كربوهيدرات يعطي 4 سعرات حرارية) فعليه تكون الحاجة من الكربوهيدرات هي 300 جرام كربوهيدرات (وهذه قد توجد في حوالي ثلاثة أكواب من الأرز المطبوخ مع قرص خبز وكأس عصير برتقال وخمس تمرات). فيقال أن على مريض السكري أن يأكل هذه الأشياء يوميا مع الحذر من زيادتها؛ لأن زيادة الأرز مثلا على 3 أكواب تعني زيادة النسبة على 60?. ملحوظة: هذا مثال فقط وليس للتطبيق. إذا سلمنا.. فماذا عن المدى القصير؟ إذا سلمنا بأن الكربوهيدرات مفيدة لمريض السكري على المدى الطويل. وإذا كان هناك ارتفاع لجلوكوز الدم على المدى القصير يسبب تناول الكربوهيدرات (بعد الوجبة) فهل هذا أمر مقبول؟ إجابة عن هذا التساؤل نقول لاشك أن من الأفضل أن لا يرتفع السكر في دم المريض في المدى القصير أيضا، ولكن ارتفاعه على المدى القصير قد لا يكون بنفس خطورة ارتفاعه على المدى الطويل. على كل هذا أمر نسبي! ولهذا كان توزيع الكربوهيدرات حسب تأثيرها في رفع سكر الدم على المدى القصير حتى تتم الاستفادة منها بصورة أكمل. الكربوهيدرات ليست سواء! يمكن القول هنا بأن هناك فوارق بين الكربوهيدرات في رفعها لسكر الدم حسب ما يسمى بمؤشر الجلوكوز وهو مفهوم يقصد به أن بعض الكربوهيدرات ترفع جلوكوز الدم أكثر من البعض الآخر (بعد أكلها مباشرة). ومعلوم أن مريض السكري سيبحث عن الأنواع التي لا ترفع جلوكوز دمه بصورة كبيرة. هذا المفهوم يقول للمريض لو أن شرب كمية معينة من سكر الجلوكوز (المذاب في الماء) ترفع جلوكوز دمه 100? فإن الكمية نفسها من كربوهيدرات الخبز الأبيض سترفعه 72? فقط. والكمية نفسها من كربوهيدرات خبز النخالة سترفعه 47? فقط. أي لو خير المريض بأكل الكمية نفسها (قرص مثلا) من الخبز الأبيض أو خبز النخالة فمن الأفضل أن يختار خبز النخالة. وهكذا يمكنك مقارنة المواد الكربوهيدراتية الموجودة في الجدول. وقبل بداية التطبيق لابد من التفريق عند اختيارنا للبدائل بين مادة جافة مثل المشمش المجفف ومادة سائلة مثل عصير البرتقال مثلا فكمية الكربوهيدرات تختلف في المادتين. بمعنى أن ما مقداره 3 حبات مشمش مجفف بها كمية الكربوهيدرات تساوي كوبا من عصير البرتقال.