دمـوع البصـل!!

طالما سمعنا في بعض المناسبات المثل القائل: يا داخل بين البصلة وقشرتها ما ينوبك غير دمعتها. ولكن البصل في الحقيقة من المواد الغذائية التي نادرا ما يخلو غذاء منها، حيث يستخدم مع السلطة الخضراء أو لإعطاء الغذاء المطبوخ طعما ونكهة مرغوبة، بالإضافة إلى الحرافية المعروفة، كما أنه يستخدم في كثير من المنتجات الغذائية. ولكن من أين تنتج رائحة البصل؟ في الحقيقة إن البصل الطازج قبل تقطيعه يكون عديم الرائحة تماما. لا تتكون رائحته إلا بعد تقطيعه بالسكين. وكلما زادت عملية التقطيع إلى أجزاء أصغر فأصغر تزداد الرائحة وتنتشر في جميع أنحاء المكان إلى درجة أن القائمين بالتقشير ينهارون بالبكاء وترى الدموع واضحة على وجوههم، وقد يصاحب ذلك بعض إفرازات من الأنف. إذا، لماذا لا تظهر هذه الرائحة على البصل قبل تقطيعه؟ السبب في ذلك يرجع إلى أن المادة الكبريتية المسؤولة عن الرائحة في البصل تكون موجودة في داخل البصلة قبل تقطيعها في صورة خاملة، وهي تحتاج إلى الأكسجين الجوي لكي تتحول إلى المادة الفعالة المسؤولة عن الرائحة والتدميع. أما الذي يقوم بهذا التفاعل فعبارة عن إنزيم يعرف باسم الألانيز وهو موجود بالبصل قبل التقطيع، ولكنه لا ينشط لإتمام التفاعل إلا بعد توفر الأكسجين. وعند التقطيع يتحد الأكسجين الجوي مع المادة الخاملة وينشط إنزيم الألانيز وهو ما يؤدي إلى تحول المادة الخاملة إلى مادة فعالة. وكلما زاد التقطيع إلى أجزاء صغيرة زاد التفاعل وزادت المادة الفعالة ذات الخصائص المتطايرة والتي تنتشر في جميع أرجاء المكان مسببة الرائحة والنكهة والحرافية. ويحتوي البصل على نسبة مرتفعة من السكر، ولكن الطعم الحلو له لا يظهر بسبب الطعم الحريف للمواد الكبريتية التي تطغى على الطعم الحلو. ويتضح ذلك جليا عندما يسلق البصل الكامل أو يشوى قبل تقطيعه، ففي هذه الحالة يفقد إنزيم الألانيز نشاطه بالحرارة ولا يقوم بإتمام التفاعل الخاص بتحويل المادة الكبريتية الخاملة إلى مادة فعالة عند تقطيع البصل رغم توفر الأكسجين. وهنا نجد أن الرائحة والحرافية المميزة للبصل لا تظهر عند تذوقه، ويظهر بدلا منها الطعم الحلو. والبصل له فوائد صحية عديدة من بينها دوره في علاج بعض الأمراض، ويكفي أن نذكر هنا وباختصار شديد أن مكونات الرائحة والحرافية بالبصل لها تأثير مضاد لمعظم الكائنات الحية الدقيقة الممرضة للإنسان. أستاذ ورئيس قسم علوم الأغذية ـ جامعة عين شمس.