مندي.. في ماكدونالدز!

قبل أشهر قليلة كنت في زيارة عمل لمدينة غلاسكو الأسكتلدنية، فوجئت بأن سلسلة مطاعم ماكدونالدز الشهيرة تقدم نفسها للجمهور هناك بسلسلة إعلانات مكثفة لوجبات سريعة مثل هامبورجر بلحم الضأن ومقبلات مثل السمبوسة وخبز مثل خبر النان الهندي الشهير.. وحتى الحلويات كانت شرقية هي الأخرى، حيث يقدم آيسكريم بومباي والبنجاب.. كما تشير الدعايات.. ولمعرفتي الوثيقة بالبريطانيين وشدة اعتزازهم ببريطانيا (التي كانت) عظمى.. وبكل ما هو بريطاني وتقليدي، مما جعلهم مادة ساخرة لنكات أبناء عمومتهم الأمريكان وجيرانهم الأوروبيين، وليقيني من أن البريطانيين يستخدمون نفس السلاح الساخر ضد أبناء القارة الهندية الذين غزوا بريطانيا من المضيق إلى المحيط.. لهذا وذاك استغربت من هذا الهجوم الكاسح للوجبات الهندية لأحد معامل الوجبات السريعة التي قامت أصلا لتوفر البديل السريع والرخيص لتلك المأكولات التقليدية والمغلفة بأسرار الطهو المتراكمة منذ قرون. هذا الاستغراب وجد جوابا من زميل عربي مقيم في غلاسكو منذ سنوات حين أشار إلى أن الوجبات الشرقية تكتسح بريطانيا اليوم في ظاهرة تشبه ظاهرة المكاتب العقارية التي شهدناها هنا قبل سنوات، أو تمدد محلات المندي والمظبي والمضغوط التي نعاصرها هذه الأيام..، ويبدو أن البريطانيين قد اكتشفوا بعد قرون من احتلالهم الهند (للسيطرة على مصدر التوابل) أن هذه التوابل شهية إذا طبخت وأكثر لذة من كونها تسرق تحت ظلال بنادق جنود الإمبراطورية التي غابت عنها الشمس وتبعها القمر!!، هذا سبب، أما الوجه الآخر لاتجاه ماكدونالدز إلى التركيز على هذه الوجبات الشرقية فيتمثل في النمو السكاني المتسارع لأبناء القارة الهندية هناك وارتفاع دخل العائلات المهاجرة في السنوات القليلة الماضية، مما جعل هذه الشريحة من الزبائن شهية ومسيلة للعاب الشركات الضخمة، وحيث إن استبدال لحم البقر بلحوم الضأن والماعز يجذب شريحة أكبر.. وتقديم السمبوسة جذاب لحد بعيد بدلا من تقديم البطاطس المشبعة بالدهون فإن ماكدونالدز وجدت أنها تضرب عصفورين بحجر واحد: أما الأول فإنها تستقطب اهتمام الزبون الإنجليزي اللاهث وراء الصحن الشرقي.. وأما العصفور الثاني فإنها تربط المهاجرين الذين يتناسلون ويغنون (بصورة تثير الإعجاب والحسد والغيظ) بمكاينات الكاشير الشرهة التي تتصدر هذه المطاعم المنتشرة في كل ركن من أركان المعمورة. سؤال بريء: متى نرى ماكدونالدز في بلادنا وقد راعى مشاعر الغالبية العظمى التي تطرب للكبسة وتذوب عشقا في صحن المندي؟