نـبـوءات حـكـيــم صعـلـوك!

منظمة العلوم والصحة العامة أعلنت بصراحة في 21 أكتوبر من هذا العام تقريرها الذي أطلق شرارة الحرب على المشروبات الغازية، وشبهت هذه المعركة بأنها تشبه الحرب على التبغ التي بدأت قبل أعوام بصورة خجولة، ثم انتهت فصولها الأولى المثيرة في ردهات المحاكم، حيث يقف في جانب الضحية آلاف المدخنين تساندهم الحكومات المحلية في الولايات المختلفة، وفي الجانب الآخر صناعة التدخين يحيط بها المحامون المحترفون والسياسيون الانتهازيون والمستفيدون من هذه الصناعة المدمرة. الحرب على المشروبات الغازية يبدو أنها قادمة، ومن أين؟ من مهبط صناعة الكولا، من أمريكا، والسبب يبدو تراكميا، فمئات البحوث والدراسات أثبتت أن المشروبات الغازية تلعب دورا رئيسا في تسوس أسنان الأطفال وهشاشة العظام، ونقص الأملاح الضرورية، والسمنة، إضافة إلى كونها البديل الضار لكثير من الأغذية، والمشروبات المغذية التي لا تجد طريقها إلى المستهلك في ظل التسويق الهائل للصناعات الغازية. حين نشر التقرير تذكرت صديقي الطبيب الذي يستحق لقب الحكيم، فعلا فهو منذ سنوات لا يتناول المشروبات الغازية حفاظا على وزنه، وهو كان قد استشرف أن مصير المشروبات الغازية سيكون مرتبطا بمصير التدخين... لكنه كان يلقي بنظريته هذه بعد أن يأخذ نفسا من سيجارة ويردد إذا أردنا أن نعرف ماذا سيحصل لعلبة الكولا.. فلابد أن نعرف ماذا سيحل بعلبة الدخان... كنت أحسده دوما على قدرته الفائقة على الجمع بين المتناقضات، فرغم حماسه للقيام بحملة ضد التدخين أيام كلية الطب، فإنه كان يقضي على مصير أكثر من ثلاث علب سجائر ويجمع إليها ثلاث رؤوس جراك وأربع نوبات معسل، كل ذلك دون أن يرمش له جفن.. حتى اكتشفت أخيرا أنه من عائلة عريقة في تجارة بيع السيارات المستعملة...!! وبعد نشر هذا التقرير القاطع، القوي العبارات، والحاد في نتائجه بدأت أرجع إلى الذاكرة المثقوبة وأتذكر شيئا من نبوءات الحكيم فلم أتذكر سوى نبوءة لم تتحقق حتى الآن، ولكن لابد من التوقف عندها والتأمل بعمق، ذلك أن الحكيم كان يرفض بشدة تناول المشروبات الخالية من السعرات مثل الدايت كولا أو الدايت سفن أب رغم تنديده وشجبه الشديدين للسعرات الهائلة التي تحتويها علبة الكولا، ورغم أن الكرش المتدلية كانت أول مظاهر الوجاهة الاجتماعية التي امتلكها مبكرا، ومازالت بقية المظاهر لا تتعداها، وكانت نبوءته الثانية تقول: أثبتوا لي أن استخدام بدائل السكر المضافة إلى المشروبات قليلة السعرات لن تؤدي بعد خمسين عاما إلى اكتشاف علاقة غير بريئة بينها وبين أنواع السرطان الحالية وأجيال الأورام القادمة! أيها الحكيم الذي ضيعه قومه، إنني أبحث عن رقم هاتفك منذ أيام حتى آخذ شيئا من جواهر حكمك وأتذكر شيئا من نبوءاتك الثمينة، فقد تجندلت صناعة التبغ في معركة تنبأت بقدومها يوم كان أبو بس يهزأ بكل التحذيرات الخجلى، وها هي الكولا تتهيأ للوقوف في قفص الاتهام... لكن ما يحيرني هو عدم قدرتي على تذكر رأيك في المعسل والجراك اللذين لن يجدا من يحاربهما... لأن الضحايا والجلادين هم من شعوب لا تؤمن بأن هناك علاقة بين الصحة... وساعات الفرفشة!!