اللحوم الحمراء.. صديقة السرطان

كشفت الدراسات الحديثة التي أجريت في فرنسا وقام بها البروفسور ليون فرانس Lyon France النقاب عن أن تناول كميات كبيرة من اللحوم الحمراء يساعد في تكوين كيماويات تسبب سرطان القولون بالقدر نفسه الذي يسببه التدخين. والنتائج التي قدمت مؤخرا في ليون أمام المؤتمر الأوربي للتغذية وأمراض السرطان، هي جزء من الدراسة التي يبدو أنها أحيت النظرية القائلة بأن الألياف تحمي من سرطان القولون والذي يعتبر السرطان الثاني القاتل في العالم. والفكرة القائلة بأن الغذاء المحتوي على نسبة عالية من الألياف الموجودة بكثرة في الفواكه والخضراوات والبقول والحبوب، يمنع من سرطان القولون، كانت قد واجهت صعوبات في العام الماضي بعد صدور دراستين فشلتا في إيجاد أي تأثير في هذا الخصوص. غير أن الأبحاث الأخيرة التي يقول الخبراء عنها إنها الأكثر اعتمادية حتى تاريخه، والتي تبحث عن العلاقة بين العادات الغذائية والسرطان، أظهرت أن أولئك الذين يأكلون طعاما كثير الألياف أقل عرضة للإصابة بسرطان القولون بنسبة 40? من أولئك الذين يتناولون طعاما به نسبة أقل من الألياف. وقد كانت هذه الدراسة التي شملت 406.323 شخصا من 9 دول أوربية هي الدراسة الأوسع مجالا من أي دراسة أجريت في هذا الصدد حتى الآن. في بداية الدراسة عام 1993 قسمت استمارة الاستبيان لأشخاص موضوع الدراسة إلى خمس مجموعات حسب مقدار تناولهم للألياف، وتم استبعاد أكثر الأشخاص وأقلهم تناولا للألياف؛ وذلك لاستبعاد الحالات المتطرفة وغير الطبيعية. كان هناك حوالي 80.000 شخص في كل من المجموعات المتبقية، وقد وجد أن هناك 176 حالة سرطان قولون في المجموعة التي تتناول أقل كمية من الألياف و 124 حالة سرطان قولون في المجموعة الأكثر تناولا للألياف، أي بفارق 40?. وقد فسرت النتائج الخاصة بالدراسة بأن الألياف عامل محتمل ضد السرطان، وذلك حسبما أفاد به نيكولامس داي، خبير السرطان بجامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة. وقد انتقد داي الدراسات السابقة التي أجريت عن الغذاء والسرطان، فقد ذكر أن تلك الدراسات كانت صغيرة ومحدودة لقطر واحد فقط، وقد اشتملت على مجالات ضيقة في أنماط الغذاء، ولم توفر المقياس الدقيق لاكتشاف تأثير الاختلافات الصغيرة في نمط الغذاء. وقد وافق على ذلك الدكتور أنطوني ميلر ـ وهو بروفسور في مركز أبحاث السرطان بألمانيا ولم يكن عضوا في هذه الدراسة ـ وقال: أعتقد أن هذه الدراسة أوضحت أن الأشياء بدأت تنضج، وقال: إن الطريقة التي تقيس بها الدراسات (الأمريكية) كل شيء ليست جيدة. ويعتقد العلماء أن البكتيريا الموجودة في القولون تخمر الألياف، وفي أثناء عملية التخمير هذه تكون منتجا يسمى ملح حمض البوتيرك (Butyrate). ويعتقد العلماء أن الخلايا الموجودة في بطانة القولون تتحول إلى خلايا سرطانية في حالة موت الخلايا العادية. وقد أثبتت دراسات التجارب المعملية بأن ملح حمض البوتيرك هو حافز قوي لموت الخلايا. قالت الدكتورة شيلا بنجهام ـ نائبة مدير وحدة غذاء الإنسان بجامعة كمبريدج والتي رأست الدراستين ـ: إن أولئك الذين لا يتناولون الألياف بكثرة يختزنون الكثير من البروتين الذي يعتبر غذاء للبكتيريا في القولون.. مؤكدة أن الفحوصات المعملية أظهرت أن اختلاط اللحوم الحمراء مع بكتييريا القولون ينتج كيماويات تدعى أن ـ نتروسو (N - Nitroso) والتي يعد بعضها مسببات سرطانية. وأحد هذه المركبات يعرف بـ(NNK) وجدت في دخان التبغ. وفي التجارب الخاصة باللحوم أدخل المتطوعون للمعمل لمدة لا تقل عن 3 أشهر وتمت معالجة غذائهم. وقد فحصت الخلايا من البطانة القولونية التي أفرزت خلال التبرز؛ وذلك لمعرفة تأثيرات التغير في نمط الغذاء. وقد وضع كل المتطوعين في نظام غذائي واحد، وثبتت السعرات الحرارية والدهون خلال مدة الاختبار، ولكن كميات البروتين وأنواعه تم تغييرها. فوجد أنه كلما كثرت كمية اللحوم الحمراء التي يتم تناولها تم تركيز الـ(أن ـ نتروسو) في البراز. قالت الدكتورة بنجهام: في الحقيقة عند زيادة استهلاك اللحوم فإن مستوى مركبات (أن ـ نتروسو) الموجودة في المادة البرازية وجدت مساوية للتركيز الموجود في دخان التبع. وقد بلغت أكثر كمية من اللحم الأحمر أعطاها الأطباء للمتطوعين 420 جراما (15 أوقية) في اليوم. ونتج عن استبدالهم بكمية اللحوم الحمراء نفسها كمية مساوية من الدجاج أو الأسماك انخفاض في مركبات (أن ـ نتروسو) إلى المستويات العادية، كما أنها ثبتت عند المستوى العادي عندما حصل المتطوعون على البروتين من مصادر منتجات الألياف أو منتجات الصويا. وتؤكد الدكتورة بنجهام: أن الفرق الوحيد بين اللحوم الحمراء واللحوم البيضاء هو ما تحتويه من الهيم (Heam). اللحوم الحمراء غنية بما يعرف بالهيم، وهو جزء من الدم يحتوي على الحديد الذي يعطي الدم لونه الأحمر. وعندما أعطي المتطوعون غذاء به كمية قليلة من اللحوم الحمراء، وأعطوا في الوقت نفسه هيم (Heam) إضافيا ارتفع مستوى (أن ـ نتروسو) في البراز مرة أخرى. قال الخبراء إن النتائج متطابقة مع البيانات الأخرى التي قدمت في اجتماع الجمعية والتي تشير بأن اللحوم المحفوظة تزيد من أخطار سرطان القولون، ولكن اللحوم الحمراء الطازجة قد لا تزيد من هذه الأخطار حسبما ذكره الخبراء في الاجتماع. واللحوم المحفوظة ـ التي تشمل لحم السلامى وهو نوع من أنواع السجق، المارتديلا، والباسطرمة ـ تحمل معدلات (هيم) أكثر من اللحم الطازج مثل شرائح اللحم البقري أو قطع اللحم العناني. وليس هناك دليل على أن مركبات (أن ـ نتروسو) في القولون هي مواد سامة، ولكن الدلائل المحيطة تشير بقوة إلى أنها قد تكون كذلك حسبما قال الخبراء، حيث ذكر أحدهم أن بعض المركبات مسبب رئيسي قوي للسرطان في الحيوانات، وللإنسان نفس الأنزيمات المطلوبة لتأييضها. وبناء على ذلك فإن تسبب هذه المركبات في حدوث السرطان لدى الإنسان يبدو أمرا منطقيا.