الخميرة.. من الخباز.. إلى الرجيم

الخميرة هي كائنات حية دقيقة وحيدة الخلية تتكاثر بطريقة الانقسام. وهي عالم خاص بذاته مثلها مثل بقية الكائنات الحية الدقيقة كالبكتيريا والفطريات وفي عالم الخمائر ما هو مفيد وما هو ضار يسبب العدوى للإنسان. وتتبع الخميرة فصيلة الفطر (Fungi) وقد عرف ما يزيد على 200.000 سلالة من هذه الفصيلة. والذي يهمنا نوعان فقط من هذه الأنواع هما خميرة البيرة (Brewrصs Yeast) وخميرة الخباز (Bakers Yeast) وهما أهم أنواع الخمائر المفيدة في التصنيع الغذائي وعمليا لا يوجد فوارق تذكر بين هذين النوعين من الخمائر. شيء من التاريخ كان الإنسان قديما يصنع الخبز بطريقة التخمير، وقد ذكر بعضهم أن الحضارات الإنسانية التي قامت قبل 6000 سنة قبل الميلاد كانت تعرف تخمير الخبز وغيره وإن لم تكن قد تعرفت على سبب التخمر. فقد كانوا يستخدمون ما يسمى بالتخمير المتبقي من عجين سابق وهي الطريقة نفسها التي كانت أمهاتنا يقمن بها ومازالت تستخدم إلى اليوم في بعض المناطق الريفية في العالم، حيث تؤخذ قطعة من عجين مخمر في الجو العادي وتوضع على عجين جديد. حكاية البدايات وقد كان أول من تعرف على خلايا الخميرة لييونهوك (Leeuwenhoek) عام 1680م ويقال أن أول من عزلها واستعملها هو لاتور (Latour) عام 1836 . ولكن هناك رواية تقول إن أول من عزلها واستخدمها للخبز هو تشارلز فلشمان (Fleischman)، وهذا الرجل هنجاري الأصل ولد في بودابست في نهاية عام 1834م من أب ألماني وأم إنجليزية الأصل. وقد هاجر تشارلز إلى أمريكا حيث حل على أخيه وأخته بمدينة سنسناتي بولاية أوهايو عام 1865م. وقد كان تشارلز محبا للخبز الأوروبي منذ طفولته الأولى، وقد كان الأمريكان في ذلك الوقت يصنعون الخبز بخميرة البيرة التي ينمونها في ماء البطاطس. وقد استطاع تشارلز وزميل له يسمى جف القيام بعزل خميرة الخباز بعد تجارب طويلة حتى توصلا إلى إنتاجها بصورة تجارية وأقاما شركة الخميرة المشهورة (Gaff? Fleischmann co.) وعليه فقد سمى تشارلز هذا أبو الخميرة وتسير مع هذه القصة قصص أخرى تؤكد أن الألمان أول من عزل خميرة البيرة وخميرة الخبز. ببساطة..!! الخميرة كائن حي يأكل ويشرب. فهي تفرز إنزيمات خارجية تسبب تخمير الغذاء الكربوهيدراتي (مثل النشا والسكر) والمقصود بإنزيمات خارجية أي خارج الجسم، فكما أننا معشر البشر نفرز إنزيمات لهضم الطعام داخليا (أي داخل الجهاز الهضمي عندنا) فكذلك الخميرة، إلا أنها تخرجها على الطعام الذي تقع عليه بهدف تحليله ومن ثم امتصاصه بعد تحليله (بطريقة ما) وإذا ما توفر للخميرة الطعام فإنها تنمو وتتكاثر. تكاثر وإنتاج هواء الخميرة الموجودة في الأسواق عبارة عن خلايا خميرة حية جافة ولكنها في حالة سكون لأنه لا يوجد غذاء وماء يجعلانها تنمو، عندما نضعها في الماء مع قليل من السكر فإنها تعيد امتصاص الماء وتفرز إنزيماتها وتحلل السكر وتنتج ثاني أكسيد الكربون وهو (غاز) وماء ومواد أخرى وتنشط وتكبر ثم تنقسم الخلية الواحدة إلى خليتين، والاثنتان إلى أربع وهكذا تتكاثر ومع تكاثرها السريع جدا تنتج ثاني أكسيد الكربون. إذا أخذنا الخميرة بعد تنشيطها هذا ووضعناها مع الدقيق وعجناه ثم تركناه جانبا فإنها ستستمر في التكاثر وتتغذى من العجين وتنتج غاز ثاني أكسيد الكربون وينتفش العجين وبعد مدة كافية يمكن خبزه فيكون خبزا منتفخا بالأشكال المعروفة. أما إذا لم تكن هناك خميرة في العجين فلن يتكون غاز ويصبح الخبز وكأنه قطع من البلاستيك. من جهة أخرى فإن درجة الحرارة مهمة لنشاط وتكاثر البكتيريا، فهي تنمو بصورة جيدة على درجة حرارة الغرفة وحتى درجة 41م، وبصورة مثالية على درجة 41م ولكن إذا زادت الحرارة عن 54م فإنها تصاب بصدمة وتموت. أنواع ثلاثة.. خميرة الخبز المتوفرة في الأسواق اليوم على ثلاثة أنواع، أشهرها الجافة النشطة Active dry Yeast (ADY) وهي المعروفة منذ الحرب العالمية الثانية وتتميز بعمرها الطويل عند تخزينها. والنوع الثاني رطبة بها قاعدة من النشا تعمل كمصفى لها وهذه لابد من حفظها في الثلاجة وإذا لم تحفظ في جو بارد ماتت الخلايا. أما النوع الثالث فهو الخميرة الجافة سريعة الانتفاخ (الانتفاش) إذ إنها تتميز بامتصاص الرطوبة بسرعة وتنتج ثاني أكسيد الكربون بسرعة. الخميرة .. بعد آخر.. تعتبر الخميرة من الناحية الغذائية مادة بروتينية عالية المحتوى من الفيتامينات وخصوصا فيتامين ب. لذا فإن فكرة الاستفادة منها كمصدر أساسي للبروتينات لم تكن جديدة، فقد فكر بها قديما تحت اسم البروتينات آحادية الخلية (Single Cell Protein) وحفلت حقبة السبعينيات من القرن الماضي بدراسات مكثفة عن إمكانية إنتاج هذا البروتين على مستوى تجاري. ورغم أن بريق الفكرة خبا بصورة كبيرة خلال العقدين الماضيين إلا أن الفكرة لم تنته تماما. وخلال السنوات الماضية ومع رجوع الناس لما هو طبيعي وظهور مجموعات النباتيين بصورة كبيرة عادت الفكرة ولكن بشكل آخر. الخميرة .. بعد جديد.. ظهرت شركات تجارية تروج لفكرة فوائد خميرة البيرة للصحة فهي مادة غذائية عالية المحتوى من الفيتامينات الطبيعية ولها فوائد عديدة أخرى منها ما يصح ومنها ما يندرج تحت عبارة الدجل التجاري. وتبنت بعض شركات الأدوية تصنيع الخميرة على صورة حبوب ومازالت الصيدليات تستقبل حبوب الخميرة وما زال المستهلك يشتري ويشتري. حقائق الخميرة مفيدة للصحة فهي بروتينات بها الأحماض الأمينية الأساسية التي يحتاج إليها الجسم وهي عالية المحتوى في الفيتامينات خصوصا مجموعة ب التي لها أدوار عديدة في عمليات التمثيل الغذائي في الجسم، كما أن الخميرة غنية بالمواد المسماة القواعد البيورينية التي تكون الأحماض النووية في الجسم (RNA) و(DNA). وهذه القواعد مهمة أيضا لنشاط الاستجابة في جهاز المناعة في الجسم (نشاط خلايا - ت تحديدا T-Cell). (هناك معلومات أكثر عن هذه القواعد في العدد الرابع من عالم الغذاء). كما أن بها نسبة جيدة من العناصر المعدنية مثل الفسفور والبوتاسيوم والزنك والحديد. لذا فيمكن اعتبارها مصدرا طبيعيا غنيا بالفيتامينات والمعادن والبروتين. وهي تباع على هيئة حبوب في الصيدليات من هذا المنطلق ورغم هذا الكم من الفوائد الغذائية إلا إنه لابد من ملاحظة أمرين مهمين حول فائدة الخميرة. الأول: الكمية التي يتناولها الإنسان منها قد لا تحقق الاكتفاء بالعناصر التي ينشدها كمتطلبات لجسمه فهي محدودة حدود الكمية المتناولة.(وهذا لا ينطبق على جميع العناصر). الثاني: يحذر المصابون بمرض النقرس (داء الملوك) من تناول الخميرة لأن القواعد البيورينية الموجودة فيها تساعد على زيادة تكون حامض اليوريك في المفاصل ويزداد الألم. لذا فمن الأغذية التي يجب أن يبتعد عنها مريض النقرس هي الخميرة. ماذا عن الكبسولات والحبوب؟ هناك غش في بعض الأنواع التي تباع في الصيدليات أو محلات الأغذية الصحية والطبيعية، ولعل المرارة أكثر ما يميز خميرة البيرة عن الأنواع المغشوشة، فعادة ما تكون الأصلية مرة المذاق وهي تتميز بصورة غير ظاهرة بارتفاع كمية عنصر الكروم مقارنة بالمغشوشة. والأنواع الأصلية من بودرة خميرة البيرة تباع أيضا ويقترح للاستعمال ملعقة إلى ملعقتين لإعطاء الإنسان الكمية المطلوبة من عنصر الكروم. لم يسجل استعمال خميرة البيرة كحبوب أو على هيئة بودرة أي آثار صحية جانبية إلا أن بعض الناس عندهم حساسية من الخميرة.