البحث والتطوير في الصناعة الغذائية

في هذه الدراسة سنتطرق إلى مرحلة توليد مفاهيم أو أفكار جديدة وأهمية الاستفادة منها، والمصادر المختلفة لهذه المفاهيم وكيفية تصنيفها وتقويمها قبل ترجمتها إلى نماذج أولية مثالية في المعمل أو المختبر. مرحلة توليد المفاهيم والأفكار الجديدة وتصنيفها: إن الأفكار الجديدة سواء تلك المتعلقة بالمنتجات أو الطرائق التصنيعية الجديدة، أو تلك الأفكار التي تشير إلى تعديلات أو تحسينات على المنتجات أو الطرائق الحالية لا ينبغي-بحال من الأحوال- أن تترك وتهدر، إذ لابد من تهيئة الأرض الصالحة لنمو هذه الأفكار. إن بقاء هذه الأفكار على الأرفف لمدة طويلة هي في الواقع الشكوى المعتادة لجميع العاملين في قطاع البحث والتطوير (R&D). ويؤكد الخبراء أهمية دور الاتصال والإرشاد في إخراج هذه الأفكار إلى حيز الوجود. وكثيرا ما نسمع ونقرأ عن أفراد عاديين قدموا اختراعاتهم لشركات متخصصة تبنت هذه الاختراعات وفتحت لها آفاقا جديدة. ويقول أحد المتخصصين إنه كان في محاضرة في إحدى وكالات الدعاية والإعلان واقترحت عندها حوالي عشر أفكار لتصنيع منتجات غذائية جديدة ولكن الشركة المعنية لم تقبل فكرة واحدة. وخلال الخمس سنوات التالية ترجمت نصف هذه الأفكار إلى منتجات جديدة قامت بتصنيعها شركات أخرى منافسة. مصادر الأفكار الجديدة: تستطيع الشركة أو المصنع الغذائي الاستعانة بالمصادر الخارجية أو الداخلية للحصول على مفاهيم جديدة للمنتجات المراد تصنيعها، وتقسم المصادر إلى: مصادر من داخل الشركة: قسم البحث والتطوير وقسم التسويق وقسم الترويج والدعاية للمبيعات، أو من خلال معلومات فنية متوفرة أو مقومات جديدة أو تقنيات أو اختراعات جديدة، أو حتى من تحليل خط الإنتاج. مصادر من خارج الشركة: المخترعون (براءات الاختراع)، وكالات الدعاية والإعلان، والمستهلك، والموزعون والوسطاء، والموردون، والمستشارون، والجامعات (مراكز الأبحاث)، ودراسات حكومية (الموازنة الغذائية)، وبيانات إحصائية عن المستهلك - السكان، والمعارض التجارية. إن توليد الفكرة ليس فقط من مسؤولية فريق البحث والتطوير، ولكنها مسؤولية جميع المصادر الوظيفية في الشركة ذات العلاقة بعملية البحث والتطوير. ويمكن توليد الأفكار بواسطة التفكير البارع (brain storming) أو من مبدأ التعرف على المشكلة. وقد تأتي الأفكار بعد دراسة مستفيضة للبيانات الإحصائية المتعلقة بالسكان من حيث العمر والمستوى التعليمي والقوى العاملة والمواليد والصحة والزواج وغيرها. كما تفيد المسوحات الغذائية والاستهلاكية التي تعدها القطاعات الحكومية في التعرف على احتياجات المستهلك. كما يركز الخبراء على أهمية تحليل الفرص ومراجعة البيانات التسويقية لرتب الأغذية التي رشحت في أثناء وضع الأهداف الموحدة في مرحلة التخطيط. وملاحظة التغير في الحياة الاجتماعية وعادات الأكل لدى المستهلك، وهل هناك صعوبة في إيجاد منتجات محببة لديه. ويمكن تلخيص العناصر الضرورية في هذه المرحلة فيما يلي: تأسيس صورة عريضة للمنتج أو المنتجات المراد تصنيعها. التعرف والتحقق من مصادر الأفكار. التعرف على الفرص الجاهزة للاستغلال (تطورات تكنولوجية، أسواق ممتدة، أرباح عالية). تشجيع التوليد الحر للأفكار. تعيين فريق ذي اختصاصات متعددة لتنسيق وجمع الأفكار والمراحل اللاحقة (فريق البحث والتطوير). ميزانية مفصلة وموافق عليها، جداول زمنية ومتابعة. مراقبة مستمرة من قبل الفريق المشرف والإدارة العليا. معايير الأمن والاحتراس ضد تسرب المعلومات إلى الشركات والمؤسسات المنافسة. تصنيف المفاهيم الجديدة: تقوم مجموعة من العاملين بجمع المفاهيم من مصادرها المختلفة وقد يصل عددها إلى المئات، وتخضع كل هذه المفاهيم إلى عملية اختبارية للتعرف على المفاهيم التي لها فرص كبيرة من النجاح. ويكون التصنيف في العادة صعبا عند الكثير من الشركات والمصانع الغذائية، فقد يتسبب التصنيف الحازم والمبالغ فيه إلى ترك فرصة قيمة فيما قد تظهر فكرة رديئة تكلف الكثير من المال والجهد كجزاء للتصنيف غير الدقيق. وهنا تظهر القدرة والخبرة الجيدة للفريق القائم على عملية التصنيف، والذي هو في الأصل فريق البحث والتطوير. وتأخذ عملية التصنيف العامل الأول والأهم وهو المستهلك، إذ يقوم بتقويم وتقدير كل فكرة، وهذه في العادة تعمل عن طريق الاستعانة بمجموعات تسمى مجموعة الرصد مكونة من 8 إلى 10 أفراد وكل مجموعة يحدد لها رئيس تكون وظيفته الرئيسة تركيز موضوع الجلسة أو النقاش على كل مفهوم. كما أن هناك طرقا أخرى للوصول إلى المستهلك وذلك عن طريق المكالمات التلفونية أو المقابلات الشخصية المنزلية، أو الاتصالات البريدية أو توزيع الاستبانات في الأماكن العامة. عوامل تصنيف الأفكار والمفاهيم: يتم جمع المفاهيم أو الأفكار وذلك بعد عرضها على المستهلك واختبار تلك الحائزة على درجات عالية ومن ثم تقديمها إلى المختصين في مجالاتهم المختلفة لاختبار مدى أهليتها. وتشمل عوامل التصنيف ما يلي: البحث والتطوير: ويقصد به جدوى تطبيق الفكرة، زمن التطوير، مدى توفير التجهيزات والمعدات، فرص الحصول على براءة الاختراع (انفرادية المنتج)، وقدرات المهارات المتوفرة. التشغيل والتصنيع : جدوى تطبيق الفكرة، مدى توفر المواد الخام، سلامة التصنيع، ومتطلبات المعدات. النواحي المالية: الأرباح المتوقعة على الاستثمار، فترة العائد لتغطية التكاليف، الاستفادة من الأصول، مدى توفر السيولة والاحتياج إليها، الأخطار المحتملة، ورأس المال المطلوب. التسويق: مواجهة احتياجات المستهلك ورغباته، السوق المحتملة (حجم، نصيب المنتج في السوق، النمو المتوقع)، التأثير على المنتجات الحالية، قنوات التوزيع، استراتيجية التسعيرة أو الأسعار، القابلية للتسويق، أخطار السوق، الكثافة التنافسية، مواجهة الأهداف القصيرة والبعيدة المدى، وتوقيت تقديم المنتج إلى السوق. نواح تشريعية: براءة الاختراع، العلامة التجارية، حقوق الطبع، المسؤولية القانونية، البطاقة القانونية أو التشريعية، والتزامات التعاقد. إن معايير التصنيف السابقة تحتاج إلى التجديد المستمر من عام لآخر بل من وقت لآخر للرفع من كفاءة عملية التصنيف وتقليل الخطورة. وخلال عملية التصنيف ينخفض عدد المفاهيم من 200 إلى 300 مفهوم مثلا إلى حوالي 10 إلى 15 مفهوما ويتم بعد ذلك التقويم المبدئي للمفاهيم المختارة. التقويم المبدئي للمفاهيم المختارة: يعرض التقويم المبدئي أفكار المنتج الجديد إلى تحليل عملي كامل، ويحول المفاهيم المختارة إلى توصيات عملية تكون جاهزة للتطوير. وتستطيع الشركات الغذائية أن تحسن نتائج التقويم المبدئي عن طريق التحليل بحذر شديد لعدد من القضايا الهامة ومنها: 1.توسيع الأفكار والمفاهيم المفضلة إلى مفاهيم في صورة مكتوبة. 2.العمل خلال هذه الفترة لابد أن ينتج عنه مواصفات محددة للمنتج تشمل وضع التركيبة التصنيعية، التصنيع، التكاليف وغيرها. 3.تعريض المنتجات المقترحة (المفاهيم المقترحة) إلى تحقيق مستفيض بواسطة فريق البحث والتطوير، وقد يمكنهم الاستعانة بآخرين من خارج الفريق، ثم بعد ذلك تجمع الآراء ويحدد على ضوئها أحسن النتائج وأردؤها. 4.يجب أن يتناول التقويم المبدئي التغيرات القانونية المحتملة على المكونات الداخلية في عملية التصنيع مثلا. 5.لابد أن تتطرق خطة التسويق المبدئي التي تعتبر جزءا كاملا من خطة العمل إلى نوعية الدعاية اللازمة للوصول إلى وعي المستهلك، حيث إن تكاليف الدعاية قد تفوق في الغالب تكاليف التطوير حتى هذه النقطة من عملية التطوير. 6.لابد أن تؤخذ الموافقة من الإدارة العليا في الشركة حول التعديلات المقترحة إذا لزم الأمر؛ لإحداث بعض التغيرات أو التحويرات على المفاهيم المختارة. كما أنه لابد من الحصول على إذن بالاستمرارية وذلك قبل تصاعد المصروفات والانتقال إلى المراحل اللاحقة. وينبغي الإشارة إلى أنه من الأهمية أن يتمخض عن هذه الخطوة من عملية التطوير مفهوم أو مفاهيم قوية وناجحة، وإذا لم يحدد ذلك فإنه لابد من اللجوء إلى اختيار مجال آخر لتوليد الفكرة؛ لأن الفكرة الضعيفة لا يمكن إنقاذها حتى لو كانت الجهود أقصى ما يمكن.