الأرز.. حضارات وأساطير وجغرافيا

يرتبط الأرز ارتباطا وثيقا بحضارات الشعوب كما يرتبط بطرائق التغذية واقتصاديات المجتمعات، فمثلا تحدثنا الأساطير الشعبية أنه عندما أخرج الكاشابنين شمال بورما من أرضهم الأصلية، أعطوا حبات الأرز ووجهوا إلى بلاد رائعة حيث كل شيء مثالي وحيث نبت الأرز بشكل جيد، وحيث يكون الأرز جزءا مكملا لأسطورة هذه الشعوب ويظل إلى اليوم محصولهم الرئيس والغذاء المفضل لديهم. من آسيا كانت البدايات إن نسج الخيال وجذور التاريخ في كثير من شعوب آسيا دائما ما تربط الأرز بأكثر من أسطورة وخرافة، ولعل تفسير ذلك هو التفاعل الغريب بين الآسيوي وبين حبات الأرز البيضاء، تفاعل يوشك أن يقال عنه معقد.. وأي تعقيد! وحتى اليوم يعامل الأرز عند الشعوب الآسيوية مثل بالي والهند بتبجيل واحترام. وترتبط زراعته فيهما بطقوس دينية معقدة أيضا. أما في الصين فإن أساطير الإنسان مع الأرز لها سيناريو آخر، فهم يقولون إنه في سالف العصور الخوالي تعرضت الصين لفيضانات جارفة وعندما جفت الأرض ونزل الناس من ملجئهم فوق رؤوس الجبال، وجدوا أن كل النباتات قد أتلفت ولم يبق لهم شيء ليقتاتوا به، ولم يجدوا وسيلة للعيش إلا الصيد الذي لم يكن متوفرا بدرجة كافية. وفي أحد الأيام رأى الناس كلبا يجري عبر أحد المزارع وقد تعلقت بذيله حبات من الأرز الأصفر الطويل. زرع الناس تلك الحبات ونبت الأرز وشبع الناس، ومن يومها صارت التقاليد الصينية تحمل العبارة التالية: ليست الأشياء النفيسة هي اللآلئ والأحجار الكريمة وإنما تلك الحبات الخمس من الأرز والتي بدأت بها زراعة الأرز في الصين. واليابان وفقا لمعتقدات الشنتو الديانة اليابانية، فإن هناك خرافة سخيفة مؤداها أن إمبراطور اليابان هو تجسيد حي لـ الننقو- نور ميكوتو إله نبات الأرز بزعمهم الباطل. ومع أن معظم اليابانيين اليوم يرفضون بعقلانية متفتحة هذه الخرافات والضلالات لكنهم لا ينكرون دور الأرز في الثقافة اليابانية الحديثة. شيء من الجذور.. يصنف الأرز على أنه نبات عشبي حولي، ويختلف العلماء في أصل الأرز ونشأته. لكن من الأمور المؤكدة أن نبات الأرز موغل في القدم لدرجة أن وقت ومكان نشأته الأولى قد لا يعرفان أبدا. ولكن من المؤكد أن تدجين نبات الأرز يصنف بأنه واحد من أهم التطورات التي حدثت في التاريخ؛ لأن هذه الحبة قد أطعمت خلقا كثيرا لفترات طويلة أكثر من أي حبوب أخرى. ولمعهد أبحاث الأرز العالميIRRI محاولات في تقصي تاريخ هذا النبات، ففي تقرير حديث للمعهد يقول إن أماكن الاستقرار الأولى لتدجين الأرز كانت على حواف التلال والنجود وقرب شواطئ الأنهار التي توفر المياه اللازمة لزراعته. وقد تكون المحاولات الأولى لزراعته قد نشأت مصادفة عندما لاحظت النساء في مناطق الاستيطان أن بعض النباتات البرية التي تنمو في تلك المستوطنات، تكون غنية بالمواد التي يمكن أن تؤكل. وعليه فإذا كانت هذه الافتراضات صحيحة فأغلب الظن أن تدجين الأرز قد بدأ في منطقة الكورات أو شمال تايلند أو في منطقة الجنوب الغربي من الصين أو في آسام. وحول الأرز المحروث وحقيقته يقول تقرير IRRI: إن الأرز المحروث ينتمي إلى نوعين: أورايزا ساتفا وأورايزا قلابريما، والنوع الأول ساتفا هو الأكثر انتشارا، وموطن النوع الأول إفريقيا لكنه كان ينبت بريا، وهناك نوع ثالث هجين من ساتفا ينمو في جنوب آسيا والصين وغينيا الجديدة وأستراليا والأمريكتين. الأنواع المتفرعة من أورايزا ساتفا جاءت نتيجة لتغيرات الطقس الكبيرة وتغير شكل قشرة الأرض. ويفترض، بناء على قياسات طرق الهجرة الكهربائية، أن الأنواع الاسترالية المتفرعة من أورايزا ساتفا بدأت تتشعب من النوع الأصلي قبل حوالي 15 مليون سنة. وفي ذلك الوقت، أثناء العصر الميوسيني تصادم الجزء الآسيوي تفندوانالاند مع الجزء الأسترالي ليكونا جسرا بريا هاجرت خلاله الأورايزا ساتفا. وبعد انفصال الكتل الأرضية تبع النوع الاسترالي من أورايزا ساتفا خطا تطويريا مختلفا عن الأصل. أما الاختلاف بين نوعي جنوب آسيا والصين انديكا وجابونيكا فيعتقد أنه يرجع إلى 2-3 ملايين سنة مضت. وفي ذلك الوقت هناك احتمال هجرة حيوانات المنطقة عبر جبال الهملايا هاجر معها نبات الأرز. إن أدلة علم النبات التي تتعلق بالأنواع المحروثة من الأرز تؤسس غالبا على موطن ومدى الأنواع البرية والتي يعتقد أنها ساهمت في إيجاد الأنواع المحروثة. وتوجد أهم السلالات من هذا الأرز في مناطق الأمطار الموسمية التي تمتد من شرق الهند عبر ماينمار وتايلند ولاوس وشمال فيتنام وحتى جنوب الصين. وهذا التنوع في السلالات يقدم دعما قويا للرأي القائل إن الموطن الأصلي لزراعة الأرز هو جنوب شرق آسيا. وتشير أيضا الدلائل اللغوية إلى أصل فلاحة الأرز في هذا القوس الآسيوي نفسه. ففي عدة لغات إقليمية فإن المصطلحات العامة للأرز مترادفة، ولا يوجد هذا الشيء في أي جزء آخر من العالم، والكتابات والممارسات الدينية تعطي أيضا دليلا على أقدمية الأرز كقوام رئيس في غذاء تلك المنطقة. وكتب النحل والديانات للهندوس والبوذيين جميعها تورد ذكر الأرز ، بينما لا نجد أي أثر لذكر الأرز في كتاب العهد القديم أو في الكتابات الخاصة باليهود ولا في الكتب المصرية القديمة.