البيتزا.. سيدة الفطـائـر ومصدر الليكوبين

يحكى أن بائعا جوالا كان يبيع في شوارع أحياء نابولي الإيطالية الفقيرة نوعا خاصا من الخبز المفرود والمزخرف بصورة جميلة. وكان الفقراء يتهافتون على شراء هذا الخبز، ومع الأيام وإقبال الناس على هذا البائع أخذ يتفنن في إعداد هذا الخبز وأضاف إليه شيئا من الزخرفة الأخرى وهكذا. ويقال أن الملكة مارجريتا Margherita وزوجها كانا في جولة لتفقد أحوال رعيتها عندما شاهدت أولئك الفقراء يزدحمون على ذلك البائع ويأكلون من ذلك الخبز الذي كانوا يسمونه بيتزا، فأعجبها طعمه وشكله وداومت على أكله، وأصبحت تخرج لذلك البائع خصيصا لأكل البيتزا، ولكن رئيس الطهاة لم يرق له خروج الملكة الدائم لأكل ذلك الخبز فأخذ يصنعه لها، وما لبث أن أضاف إليه شيئا من صلصة الطماطم فأعجبها أكثر وأكثر ثم توالت الأيام. وكان أن أضاف إليه شيئا من جبنة المازريلا والريحان الأخضر ممثلا بذلك ألوان العلم الإيطالي الأحمر من صلصة الطماطم والأبيض من الجبن والأخضر من الريحان. وسمي ذلك الخبز باسم الملكة (بيتزا مارجريتا Pizza Margherita ) وهكذا اشتهر هذا النوع من البيتزا بهذا الاسم إلى يومنا هذا تمييزا لها عن بقية الأنواع الأخرى. ورغم أن أصل البيتزا إيطالي كما تحكي لنا هذه القصة إلا أن البعض يقول إنها وإن كانت إيطالية الفكرة إلا أن أصولها موزعة بين اليونان والمكسيك والهند، فكيف كان هذا الجمع؟ اليونانيون هم الشعب الأوروبي الوحيد الذي كان يأكل الخبز المفرود المدور، ودخل إيطاليا من اليونان، ولعل ذلك التاجر يوناني الأصل. والمكسيكيون هم أول من أدخل الطماطم إلى إيطاليا عبر أسبانيا، أما جبنة المازريلا فإن أصلها هندي كان الهنود يصنعونها من حليب الجاموس وانتقلت صناعتها من هناك إلى أوروبا في القرن السابع عشر. البيتزا فطيرة عالمية منذ مائة سنة أو ما دون ذلك بقليل (1905م) ظهرت البيتزا في مدينة نيويورك بأمريكا الشمالية، ولكنها لم تنتشر في أمريكا إلا بعد الحرب العالمية الثانية. أما دخول البيتزا للمملكة فغير معلوم إلا أنها كانت تباع في شارع المطار القديم في الرياض منذ أكثر من خمس وعشرين سنة، والبيتزا اليوم منتشرة في كل أصقاع الدنيا بل إنها الفطيرة الأولى على مستوى العالم، وأصبح لكل شعب طريقة في إعدادها إلا أن الجميع يتفق على أنها مكونة من الخبز المفرود وعلى سطحه شيء من صلصة الطماطم ذات النكهة الخاصة مع شيء من الجبن، والذي غالبا ما يكون جبن المازريلا مع إضافات أخرى من خضار ولحوم وربما فواكه. وأصبحت صناعة إعداد البيتزا فنا يقود زمامه المطبخ الأمريكي بلا منازع، وما أدل على ذلك من السيطرة العالمية لشركات البيتزا ضمن منظومة مطاعم الوجبات الأمريكية السريعة. وهل البيتزا من الوجبات السريعة؟ هل يمكن استثناء البيتزا من منظومة الوجبات السريعة التي يتحفظ البعض عليها لما للإكثار من تناولها من آثار صحية ضارة؟ ولعل الإجابة عن هذا السؤال هي نعم. فمن الناحية الواقعية فإن إعداد البيتزا ليس سريعا مقارنة بالساندويتشات الأمريكية، أما من الناحية الصحية فالأمر فيه تفصيل! العلم الإيطالي وقاعدته في الميزان الخبز هو قاعدة العلم الإيطالي فهو الحامل لمكونات البيتزا الحمراء والبيضاء والخضراء. أما الحمراء! فهي الطماطم أو بالأصح صلصة الطماطم (نطلق كلمة صلصة هنا للنوع الخفيف الذي يعد خصيصا للبيتزا أو الحساء، أما الصلصة المعروفة عند العامة فإن اسمها معجون الطماطم والاختلاف بين الاثنين هو تركيز المعجون أكثف من الصلصة). وما أدراك ما الليكوبين! الألوان المعروفة للخضار والفواكه كثيرة جدا وتقع ضمن مجموعات مختلفة من الأصباغ، ولعل من أشهر هذه المجموعات هي مجموعة تسمى بالكاروتينويدات وهناك قرابة 600 نوع من الكاروتينويدات المعروفة بألوانها المختلفة في الخضار والفواكه، ومن هذه المجموعة صبغة بيتاكاروتين ذات اللون البرتقالي والتي توجد في الجزر والمانجو والخربز. ومعلوم أن كثيرا من هذه الكاروتينويدات تتحول داخل أجسامنا إلى فيتامين أ، وأن معظمها عبارة عن مواد مضادة لأكسدة الدهون. ولكن وفي مقابل ذلك فإن بعض أفراد هذه المجموعة من الأصباغ لا تتحول إلى فيتامين أ داخل أجسامنا إلا أنها مضادات للأكسدة رغم هذا. ومن بين الكاروتينويدات هذه مركب يسمى بالليكوبين Lycopene فما هو هذا المركب؟ الليكوبين هو الذي يعطي الطماطم لونها الأحمر وهو موجود أيضا في البطيخ والجريب فروت الأحمر وغيره. وحيث إنه يوجد في الطماطم فهو حتما يوجد في عصير الطماطم وصلصة ومعجون الطماطم. بل إن تركيزه في صلصة ومعجون الطماطم أضعاف مضاعفة عما هو عليه في الطماطم الطازجة. والليكوبين مضاد للأكسدة وكما هو معروف فإن مضادات الأكسدة مفيدة للوقاية من السرطان بإذن الله تعالى. وما قصة الليكوبين مع البيتزا والسرطان؟ انطلاقا من معرفة أن الليكوبين مضاد للأكسدة قامت الدراسات على هذه الصبغة وكانت نتائجها تنحصر في التالي: في دراسات على تأثير هذا المركب على الخلايا السرطانية(خارج الجسم في المعمل) وجد أن لليكوبين القدرة على القضاء على أنواع معينة من الخلايا السرطانية مثل تلك التي تتكون في الجهاز الهضمي. أجريت عام 1995 الدراسة المشهورة باسم دراسة هارفرد والتي تشير نتائجها إلى أن لليكوبين القدرة على منع سرطانات البروتستات بإذن الله تعالى، وألمحت بأن من يأكل 6.5 مللجرام ليكوبين في اليوم تقل إصابته 21?. وهذه الدراسة في أصلها كانت دراسة متابعة لـ50.000 رجل لمدة 6 سنوات. وأكدت نتائج هذه الدراسة بدراسة لاحقة لها عام 1996 نشرتها دورية معهد السرطان القومي، إذ خرجت بالنتائج نفسها، والتي مفادها أن الرجال الذين يأكلون الأغذية المحتوية على الليكوبين (صلصة الطماطم تحديدا) أقل عرضة للإصابة بسرطان البروتستات. دراسات أخرى على النساء تؤكد أن الليكوبين يمنع سرطان الجهاز التناسلي لديهن، وسرطان المثانة لدى الجنسين. بل وأمراض القلب! وهذا أمر تابع للأول فإن مضادات الأكسدة معروفة بتخفيض كوليسترول الدم المتعلق بأمراض القلب عند فئة من الناس. إذ إنه يمنع أكسدة LDL الحامل للكوليسترول الضار في الدم. وهو بذلك مضاد للسكتات القلبية بإذن الله كما تقول دراسة نورث كلوراينا. أين وكيف؟ وما هي صفته؟ الليكوبين يوجد في الطماطم ولكنه يوجد بنسب مضاعفة في صلصة الطماطم، وقد وجد أن فعاليته كمضاد للأكسدة تظهر بقوة واضحة عندما تطبخ صلصة الطماطم أو معجونها، وأن فائدته محدودة عندما تكون الطماطم طازجة أو على هيئة عصير طازج. إذا لابد من الطبخ للحصول على النتائج. والأصل في مثل هذا القول معتمد على دراسات متعددة تؤكد أن امتصاص الليكوبين من الأغذية المعاملة بالحرارة أكثر من الطازجة. الأمر محدود بدراساته ما زالت هناك عدة تساؤلات عن فعالية الليكوبين وأهميته ولن يجيب عنها إلا دراسات مستقبلية دقيقة. وفي مثل هذه الحالات نحن نتعامل مع ما هو موجود من نتائج والتي هي: الليكوبين مضاد أكسدة قوي ذو فعالية عالية للوقاية بإذن الله من أكسدة الدهون في الخلايا، وما يترتب على ذلك من الوقاية من إنشاء الجذور الحرة الخطرة على الصحة والتي يعتقد أنها من أسباب السرطان وأنواع من أمراض القلب. الليكوبين يوجد في صلصة ومعجون الطماطم بتركيز أكثر وفعالية أكبر مما هو عليه في الطماطم الطازجة أو عصيرها الطازج. وسبب الفعالية في الصلصة والمعجون يعود إلى أن الجسم يمتصه أكثر نتيجة للطبخ والمعاملات الحرارية. البيتزا تحوي صلصة الطماطم المطبوخة بالأعشاب. إذا فاللون الأحمر من البيتزا مفيد للصحة. والمكرونة والإيدامات أيضا الطماطم والصلصة والمعجون المطبوخ، إن الأمر ليس مقتصرا على البيتزا فهناك صلصة المكرونة والكتشب بل والإيدامات التي نطبخها. وهذا الأمر صحيح، ولابد من أن نحرص على تناول صلصات الطماطم بجميع أنواعها للحصول على الليكوبين. وكذا ينصح بزيادة كمية الصلصة على البيتزا. اللون الأبيض جبنة المازريلا جبنة تصنع من الحليب كامل الدسم أو قليل الدسم، وهي على نوعين مرتفع الرطوبة ومنخفض الرطوبة، ويعتبر النوع العادي المستخدم في صناعة البيتزا متوسط المحتوى من الدهون مقارنة ببقية أنواع الجبن. ففي كل 100 جرام نجد أنها تحوي حوالي 18 جرام دهن و25 جرام بروتين وهي بذلك تعطي حوالي 260 سعرا حراريا. وهي عالية المحتوى من الكالسيوم (654 مللجراما) وفي المقابل نجد أنها تحوي حوالي 470 مللجرام صوديوم. وتحوي جبنة المازريلا بعض المعادن الأخرى وهي فقيرة جدا بالفيتامينات التي يحطم معظمها الإعداد والطبخ. تعطي جبنة المازريلا بعدا توازنيا هاما لفطيرة البيتزا وتنقلها إلى مسمى الوجبة. فهي تعطيها البروتين الحيواني والكالسيوم بصورة أساسية وإن كانت كمية الجبنة تلعب دورا كبيرا في مسألة التوازن هذه . والأخضر.. تنفرد بيتزا مارجريتا بأن ما على سطحها أخضر، إلا أن البيتزا الأمريكية اليوم أصبح سطحها مكونا من عدد من الألوان. وتبقى هذه الألوان في إطار الخضار في غالبه ما بين فطر وزيتون وبصل وطماطم وإن كان هنالك إضافات بأنواع من اللحوم وصيد البحر. إذا أبعدنا اللحوم عن سطح البيتزا وأبقينا الخضار فربما كان ذلك أفضل من الناحية الغذائية. والأمر مرهون أيضا بأنواع وكمية الخضراوات. ولكن يمكن القول بصورة مجملة أن وجود قليل من اللحم أيضا مع قاعدة من العجينة السميكة يبقي البيتزا في دائرة الوجبة الكاملة، أما كونها متوازنة أم لا فهذا أمر آخر.