إيران وتركيا وتهديد الأمن العربي.. تحليل النتائج والآثار

يبدو أن إيران وتركيا تريان في تدخلهما في المنطقة لحظة تاريخية وفرصة سياسية يصعب إفلاتها، بينما الحقيقة أن معطيات التاريخ تؤكد أن إيران وتركيا لا تريان بوضوح المخاطر التي يمكن أن تكون نتيجة طبيعية لتدخلاتهما في المنطقة..

وزارة الخارجية االسعودية نشرت في بيان لها يوم الخميس الماضي بأن المملكة تدين وبشدة العدوان الإيراني والتركي على الأراضي العراقية، ويرى البيان أن ذلك العدوان التركي الإيراني يشكل تهديداً فعلياً للأمن القومي العربي، وكذلك الإقليمي بل وينتهك القوانين والمواثيق الدولية، السؤال الفعلي يدور حول شرعية الوجود الإيراني التركي في العراق والمنطقة بأكملها ولماذا حدث ذلك بهذه الصورة؟

عبر التاريخ القريب على وجه الخصوص تعرضت بعض أجزاء المنطقة إلى نوع من الهشاشة السياسية في بعض أجزائها، وتحولت تلك الهشاشة إما إلى حروب أهلية وثورات، أو إلى تدخلات أجنبية كما حدث للعراق في العام 2003م، أو إلى شراكات مريبة بين دول من المنطقة ومن خارجها كما حدث بين قطر وإيران وبين قطر وتركيا، وتأثرت البقية بهشاشة في أمنها القومي وتعرضت المنطقة بأكملها إلى تأثيرات متفاوتة في ابنيتها السياسية والأمنية وحتى الاقتصادية.

كما يبدو أن إيران وتركيا تريان في تدخلهما في المنطقة لحظة تاريخية وفرصة سياسية يصعب إفلاتها، بينما الحقيقة أن معطيات التاريخ تؤكد أن إيران وتركيا لا تريان بوضوح المخاطر التي يمكن أن تكون نتيجة طبيعية لتدخلاتهما في المنطقة، خاصة أن عمليات التوسع والتوغل في المنطقة من جانبهما تطرح الأسئلة الأكثر أهمية حول النتائج والآثار، وبمقارنة إيران وتركيا من حيث التوجهات والأهداف في المنطقة نجد تبايناً كبيراً بينهما، ومع ذلك هما يتدخلان في نفس المنطقة، ولذلك يأتي السؤال حول الكيفية التي يمكن أن تلتقي بها ثقافة تصدير الثورة في بعدها الطائفي للحصول على هدف سياسي كما في إيران، بثقافة سياسية تطمح الى إخضاع المنطقة وفق معطيات تاريخية تحاول من خلالها إعادة الإمبراطورية التي ماتت في بداية القرن العشرين؟

ومن أجل قراءة وتحليل واستقراء مناسب ندرك أن كلتا الدولتين (تركيا وإيران) اللتين تواجهان ثقافة عربية انتصرت تاريخياً على تركيا عندما كانت تمثلها الإمبراطورية العثمانية، وانتصرت على إيران عندما كانت تمثلها الإمبراطورية الفارسية، إذن المعطيات المشتركة بين هاتين الثقافتين السياسيتين التركية والإيرانية هي تلقي الهزيمة من العرب ومن ذات المنطقة وبعنوان تاريخي سطر بشكل يصعب تناسية أو التغاضي عنه، وهنا يأتي سؤال جديد عن كيفية وضع هذه المتغيرات التاريخية في سياق الأزمة القائمة اليوم لمحاولات تدخل كل من إيران وتركيا في المنطقة؟

كلتا الدولتين تستخدمان وعلى مدى واسع شكلاً من أشكال -العاطفة الشعبية الرومنسية- فالأولى تدغدغ الشعوب بفكرة الخلافة والأمة تحت غطاء منظمات الإسلام السياسي، والثانية تدغدغ المشاعر بفكرة المظلومية وإعادة خلق الموروث الطائفي، وبهذه الفكرة يكمن ملخص كل الصورة التي تملأ الإعلام والسياسية حول دور إيران وتركيا في المنطقة، كل المعطيات تدور حول هاتين الفكرتين وفي صلب الموضوع الخاص بسياسة إيران وتركيا.

المؤيدون لكلا النظامين لا يدركون الحقائق كما هي، فكلاهما الفرس والأتراك يمتلكون النزعة الاستعمارية والتوسعية بغض النظر عن نوعية الغطاء السياسي المستخدم من قبلهما لتنفيذ مشروعاتهم، ولعل أقرب وصف للتوسع التركي والإيراني في المنطقة ينطلق من كونه (شعبوية عسكرية) فكلا المعسكرين يعتمدان على تمجيد الشخصيات الراديكالية في مجملها كما هي في أردوغان تركيا وخامئني إيران.

سؤال متجدد حول مخاطرة تركيا وإيران بوجودهما في العراق وكذلك المنطقة العربية، فكلاهما يعتمد الدين إما بشكل طائفي أو شكل مطلق ومعلوم عبر منظمات الإسلام السياسي، أن إيران وتركيا تعمدتا استخدام الدين في خططهما التوسعية كمورد لا ينضب لشرعنة سلطتهما الخارجة عن سياقها التاريخي، فهل تعي هذه الدول تلك المخاطر التاريخية التي تترصد بها؟، فكرة الاستعمار والتوسع بالطرق التقليدية لم تعد متاحة في سياق التاريخ الحديث ومهما كانت التدخلات فسوف تظل مؤقتة وغير قابلة للاستمرار، فمعطيات التاريخ تتغير وبسرعة ولا يمكن أن تذوب الدول فجأة في بعضها بمجرد احتلالها أو أجزء منها أو التدخل في شؤونها الداخلية.

تركيا وإيران تهددان الأمن القومي العربي؛ هذه حقيقة يؤكدها التاريخ، وفي ذات الوقت يمتد التهديد إلى الأمن القومي لكل منهما، فالمخاطرة والمجازفة بالوقوف على منابر الشعبويات العسكرية واستغلال العاطفة الشعبية وتقديم القيادات الراديكالية كونها -مخلصة للشعوب- كما يحدث مع أوردغان تركيا وخامئني إيران، هو في حقيقته يقوم على أسس غير واقعية في التوسع مهلكة في نتائجها التاريخية.

بقلم/د. علي الخشيبان -الرياض