تجريم معاداة الإسلام.. ينهي تصاعد الإسلاموفوبيا
بعد كل حادث إرهابي تعود ظاهرة الإسلاموفوبيا من جديد، وتتعدد الصور والمواقع، ولكن النتيجة دائماً واحدة وهي قدرة هذه الظاهرة على تدمير كل الجهود التي تم القيام بها لتحسين صورة الإسلام ونفي التهم السلبية عنه، لذلك فإن ما يحتاجه الإسلام من المسلمين اليوم، خاصة الدول الإسلامية الفعالة أن تتبنى مشروعات دولية تجرم معاداة الإسلام..
الإسلاموفوبيا قضية يصعب التعامل معها سياسياً فقط، فهي قضية معقدة وأطرافها متعددة ولها جذور تاريخية عميقة يصعب تفكيكها ما لم تتوفر العوامل المساعدة لذلك التفكيك، والإسلاموفوبيا ليست صورة سياسية منفردة، بل هي صورة من الهلع الثقافي قد يجتاح مجتمعات أو ثقافات عريضة بحيث تتضاعف الشكوك حول الإسلام وحول منتجاته الثقافية، وخاصة أن الأديان منتجات ثقافية بطبيعتها، ولذلك تحرص الثقافات على وضعها على قوائم المقارنة الدائمة، بمعنى دقيق عملت الثقافات الخاصة بالأديان الكبرى عبر التاريخ على أن ترسم لها جدولاً معرفياً يعكس نقاط الالتقاء ونقاط الاختلاف بينها وبين الأديان الأخرى.
وعلى مر التاريخ تحملت السياسة ترويض نقاط الاختلاف وتعزيز نقاط التوافق من أجل الوصول إلى مقاربة تتفادى التصادم بين الثقافات والمجتمعات، وفي فترات تاريخية طويلة عملت الاختلافات بين الأديان على إثارة الحروب الكبرى التي سجلها التاريخ وأصبح بعضها شاهداً على الأزمات الثقافية التي مرت بها الأديان السماوية، وغالباً ما دفعت الأديان ثمن الضعف الحضاري لشعوبها أو ربحت ثمن التفوق الحضاري لشعوبها، وهذا ما يجعل القضية ذات إطار تاريخي وثقافي وحضاري أكثر من كونها قضية تنافس عقدي مؤقت.
ولعل السؤال الأهم هنا يبحث خلف الدوافع التي ساهمت في ارتفاع معدلات التعبير عن الإسلاموفوبيا خلال العقود الماضية، وقد ذكر الكثير من الباحثين أن سقوط الاتحاد السوفيتي سمح بانتشار الكثير من الأفكار التي تتحدث عن صراع أيديولوجي بين الأديان وخاصة بين الغرب والإسلام، وقد سمحت هذه الأفكار بتداول كبير لمصطلح "الإسلاموفوبيا" وقد كانت أحداث سبتمر أحد أهم الأحداث في العالم التي تم استثمارها لتعزيز فكرة الصراع الثقافي، ولأن الإسلام ينتشر بين دول تم تصنيفها على أنها من دول العالم الثالث فلم يكن هناك سند حضاري قوي لهذه الدول يمكنه دعم المسار الثقافي للعالم الإسلام لتلافي انتشار مصطلح الإسلاموفوبيا.
الخوف من الإسلام أصبح أمراً مقلقاً خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين وحتى اليوم، ولعل الطبيعة الثقافية للإسلام وتوزيعه الجغرافي عالمياً ساهما في فرص التوجس الثقافي التي يمكن أن تنشأ في ثقافات أخرى ينتشر فيها الإسلام بشكل كبير ومتسارع، مع أن قضية الانتشار الإسلامي من حيث عدد الأتباع ليست قضية سياسية بقدر ما هي قضية ثقافية بحتة إلا أنها مدعاة طبيعية للخوف من الإسلام وتزايد فكرة الإسلاموفوبيا.
تزايد مظاهر الإسلاموفوبيا ارتبطت بكل حدث إرهابي يكون منفذه أحد المسلمين بحيث تنسب دوافع هذا الفعل ومكوناته ليس إلى من قام بهذا العمل بل تنسب إلى الإسلام مع كل أسف، وفي سياق سياسي وثقافي لا يستثني المسلم عن الإسلام، على اعتبار أن الإسلام يدعم مثل هذه الأعمال وهذا بطبيعة الحال فهم غير دقيق ويفتقد للحقيقة، ومثل هذه الحالة سوف تضاعف التباعد بين الإسلام والثقافات الأخرى، فكل عمل إرهابي يقوم به مسلم ويكون ناتجاً عن تفسيرات خاطئة من ذلك المسلم فإن الآخرين من أصحاب الثقافات أو الديانات الأخرى سوف يسجلون هذا الفعل ضد الإسلام كله وليس ضد من قام بهذا العمل الإرهابي.
على الجانب الآخر فتحت فكرة الإسلاموفوبيا الفرصة للكثير ممن يتخذون موقفاً سلبياً من الإسلام كي يمرروا أن هناك خوفاً من الإسلام يجتاح العالم ولكن الأكثر خطورة من بين أولئك أن يستخدم الإسلام أو رموزه أو تعليماته لتقييم عمل ثقافي أو فكري، بمعنى دقيق كأن تستخدم شخصيات الأنبياء أو الصحابة أو بعض قواعد الإسلام للتعبير عنها كعناصر عاجزة عن التفاعل مع معطيات الحضارة العالمية القائمة، ولعل أخطرها أن يستخدم الرسم للإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن يعتقد أن الإساءة للنبي محمد عليه السلام لن تستفز ربع سكان العالم أو ما يقارب من ملياري مسلم فهو مخطئ ويتعمد عدم فهم الأديان وتأثيراتها الثقافية.
بعد كل حادث إرهابي تعود ظاهرة الإسلاموفوبيا من جديد وتتعدد الصور والمواقع ولكن النتيجة دائماً واحدة وهي قدرة هذه الظاهرة على تدمير كل الجهود التي تم القيام بها لتحسين صورة الإسلام ونفي التهم السلبية عنه، لذلك فإن ما يحتاجه الإسلام من المسلمين اليوم، خاصة الدول الإسلامية الفعالة أن تتبنى مشروعات دولية تجرم معاداة الإسلام كثقافة عالمية وتوجب احترام رموزه وعدم استغلال الحوادث الفردية لتكون مبرراً لتشويه صورة الإسلام، وإذا لم يحدث ذلك فالفرصة مازالت قائمة ليشهد العالم صراعاً أيديولوجياً خطيراً للتعبير عن المنافسات بين الأديان في العالم.
بقلم/د. علي الخشيبان -الرياض