أزمة كورونا: المواطنة في مواجهة العلم وممارسة العقلانية
الحديث عن المجتمع السعودي خلال هذه الأزمة يستحق الإشارة، حيث بدا المجتمع السعودي أمام نفسه والعالم ممتناً وفخوراً بما قدمته له الحكومة بقيادتها وأجهزتها، كونه أصبح حديث العالم من حيث اهتمام الحكومة السعودية بإنسانها ووضعه في المقدمة في سبيل محاربة هذا الوباء..
مشكلة كورونا أضحت بالنسبة لدول العالم أزمة كبرى وتبدو أنها مشكلة اعتراف بالحقائق قبل أي شيء آخر فهي مسألة صحية تهدد البشرية وليس دولة بعينها، وهذا ما يجعل من التأخر في اتخاذ الإجراءات مغامرة يصعب التكهن بنتائجها، اليوم تشعر البشرية بالحيرة تجاه أزمة كورونا التي غيرت مفاهيم الأنظمة الصحية في العالم، وغيرت مجرى التاريخ وعاد الإنسان إلى المقدمة في أولويات الدول وخاصة تلك الدول التي اعتادت على أنظمة وقوانين تحبس الأنفاس عند ظهور الأزمات الكونية.
من المؤكد أن أزمة كورونا أثبتت مدى فاعلية معايير الانضباط الذاتي لدى الشعوب العالمية وتميزت بعضها عن البعض الآخر بمقدار ذلك الانضباط، وأثبتت التفسيرات المتعددة لقراءة وضع شعوب العالم أن هناك شعوباً تصرفت بموجب أصولها الروحية ومعايير التزامها بالواقع الذي فرضه ظهور هذا الوباء العالمي، وفي مجتمعنا لعبت العقيدة الدينية دوراً مشجعاً لبعث الطمأنينة والتعامل بكل منطقية مع الواقع المشاهد وساهمت الإجراءات الحكومية في ترسيخ هذا المفهوم بأن الثقافة والتراث في المجتمع هما المرجعية الأكثر أماناً لبعث روح الطمأنينة والاستقرار لدى المجتمع.
أزمة كورونا وما صاحبها من التأويلات الصحية تفاوتت بشكل غير معقول بين شعوب الأرض وكشفت هذه الأزمة الكيفية التي تفكر بها شعوب الأرض، ومع كل أسف أظهرت الكثير من الثقافات أنها تعاني من أزمة واقعية في كيفية التعاطي مع هذا الواقع الوبائي، ومع كل هذه التصورات إلا أن الفيصل الأخير للتعامل مع هذا المرض كان موجوداً في العلم والطب واكتشفت الكثير من الشعوب أن عليها أن تعقلها ولكن تتوكل بعيداً عن التفسيرات المتفاوته لكيفية التعاطي مع أزمة كورونا.
عبر أزمة كورونا أثبتت أيضاً وسائل التواصل الاجتماعي أنها مكون ثقافي جدير بمكوناته ومؤثر في جميع الاتجاهات سواء السلبية أو الإيجابية، ومع ذلك تبدي وسائل التواصل الاجتماعي للثقافات فرصة كبرى كونها أصبحت مؤثراً أساسياً في المجتمعات، فقد تحولت إلى لغة تواصل فائقة السرعة ولغة تأثير معترف بها من قبل المجتمع، وتجاوزت وسائل التواصل الاجتماعي كل المتسابقين في الميدان الإعلامي، ونقلت وسائل لتواصل الاجتماعي الأخبار والقرارات بسرعة تجاوزت سرعة الصوت في بعض الأحيان وهذه ليست مبالغة بقدر ما هي حقيقة.
مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي تم اختبارهم بشكل كبير في هذه الأزمة وأثبت المجتمع أن عملية تقييم المحتوى لدى مشاهير التواصل الاجتماعي عملية سهلة وليست معقدة، ومن المؤكد أن المجتمع سوف يطور من كفاءة مشاهيره في المستقبل، وسوف يظهر خلال السنوات القادمة بحسب النظرية الوظيفية في علم الاجتماع، فبحسب هذه النظرية فإن وسائل التواصل الاجتماعي اليوم أصبحت تشكل نسقاً مهماً ومؤثراً في المجتمع، وسوف تؤدي وظيفة محددة في المجتمع وتتأثر وتؤثر في الأنساق الأخرى وهذا ما سوف يجعلها قابلة للتطور ولذلك من المتوقع بحسب هذه النظرية أن مشاهير التواصل الاجتماعي يمكنهم البقاء فقط لفترات محددة من الزمن وسوف يفرض عليهم المجتمع بحسب هذه النظرية التغيير والاستبدال المتكرر.
الحديث عن المجتمع السعودي خلال هذه الأزمة يستحق الإشارة وبدا المجتمع السعودي أمام نفسه والعالم ممتناً وفخوراً بذات الوقت بما قدمته له الحكومة بقيادتها وأجهزتها، كونه أصبح حديث العالم من حيث اهتمام الحكومة السعودية بإنسانها ووضعه في المقدمة في سبيل محاربة هذا الوباء، هذه الحالة السياسية ضاعفت من معايير المواطنة من خلال الالتزام الفعلي بجميع الإجراءات التي سنتها الحكومة وناشدت المواطن الالتزام بها.
لقد كانت حكمة القرار هي المنبع الأساس للتعامل مع مجتمع يتطلب التعامل معه الاعتماد على الجذور الفعلية لهذا المجتمع وبطريقة تتفهم الأبعاد التاريخية له ومكونات ثقافته وتنوعها، لذلك كان التقارب كبيراً ولافتاً للنظر بين مشاعر التوجهات الحكومية ومشاعر المواطنين، ومن المؤكد أن المثال السعودي في التعامل مع هذه الأزمة سيكون في سجل التاريخ العالمي وخاصة عندما ظهر خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله- على الشعب السعودي وأمام العالم كله ليؤكد الحقيقة التي تؤمن بها المملكة وتتبناها بأن الإنسان السعودي ومن يقيم على أرض السعودية هما المهمة رقم واحد دائماً وأبداً لقيادة هذا الوطن.
بقلم/د. علي الخشيبان - الرياض