المملكة والاهتمام بتفاصيل وضع العراق الصعب
العراق بحاجة دولية إلى إنقاذه من تفاصيل مخططات إيرانية تراه جزءاً من دول الخليج التي تستهدفها بتدخلاتها ومخططاتها، وإنقاذه من تفاصيل مخططات تركية ترغب في أن يكون جزءاً من مخططها في شرق المتوسط، كما أنه بحاجة إلى تفهم الأزمة الداخلية التي يعاني منها..
لا تفتقر السعودية ولا العراق إلى أدوات تاريخية أو سياسية لتحدد الكيفية التي يمكن من خلالها بناء علاقاتهما من جديد، ومع أن التحولات التي حدثت في العراق كبيرة وتركت ثمناً باهظاً دفعه العراق على مدى الثلاثة عقود الماضية، إلا أن الفرص السياسية أمام العراق للعودة سوف تظل مفتوحة لأن العراق تاريخياً دائماً ما كان رقماً صعباً من حيث التأثير في مقوماته التاريخية ومكانته العربية والدولية.
العراق دولة تمتلك من الثروات ما يمكنها من أن تعود قوية وبسرعة. فالعراق لديه الثروة النفطية ولديه الثروة المائية ولديه الجغرافيا الشاسعة، ولديه الشعب العراقي المميز ذو التنوع الكبير، ولديه تاريخ كبير من الوعي التعليمي، ولديه الكثير والكثير، وهذا ما يجعل من المستحيل الشعور أن العراق يمكن أن تلتهمه المشكلات السياسية، ومن المؤكد أن مشكلات العراق كبيرة ومتعددة، بل إن بعضها عميق ومهدد ليس لحياة العراق، بل أيضاً العراقيين أنفسهم، فالعراق يكاد يكون من الدول القليلة التي يمكن تهديد استقرارها عبر ممارسة برمجة خاطئة في نظامه التاريخي.
بمعنى دقيق لا بد من الفهم أن مكامن قوة العراق تاريخياً وثقافياً وسياسياً هي مكامن يمكن استثمارها من قبل من يرغب في العبث في العراق، فبالإمكان استغلال الإيديولوجيا لتفكيك برمجة التنوع المذهبي، وهذا ما حدث للعراق منذ العام 2003، كما أن استغلال التنوع العرقي والديني يمكن التلاعب ببرمجته التاريخية التي ضمنت استقراراً طويلاً للعراق، إذن العراق بنظامه التاريخي عانى عبر الزمن من استغلال مكوناته وهذا ما عملت عليه إيران التي تلاعبت بالبرمجة الطائفية في العراق وضخت فيه فيروسات إيديولوجية أدت به إلى حالته اليوم.
التميز العراقي بنظامه التاريخي العميق والراسخ جعل أعداء العراق والرغبين في التدخل بشؤونه أن يلجؤوا إلى اللعب على أوتار تاريخية منها الطائفي والعقدي والجغرافي والعرقي، وهنا تكمن الأزمة التي يعاني منها العراق، فقد شكك المتدخلون في العراق بكل شيء وشكلوا بذلك تكتلات بشرية ساهم أعدء العراق بتكريس تناقص في الوعي السياسي حول مستقبل العراق وإلى أي اتجاه يجب أن يذهب العراق، لقد أدت الحالة التي وصل إليها العراق إلى طمع مباشر من دولتين ليس لهما علاقة بالشرق الأوسط ولكنهما تطمعان به، هما إيران وتركيا اللتان تستغلان تقاطعات عقدية وطائفية وفترات تاريخية سياسية ربطتهما بشكل دائم أو مؤقت مع الشرق الأوسط وخاصة العراق بوابة المنطقة أمام هاتين الدولتين.
هذا هو الوضع العراقي الذي أنتج أزمات عراقية وتحديات لا يمكن للعراق وحده أن يتجاوزها، فهناك فرص مهددة للاستقرار في العراق وخاصة الانقسام وخطر التقسيم، وهاتان الحالتان يمكنهما تحويل العراق إلى مصدر كبير لعدم الاستقرار، وهذا ما خلق فرصة إعادة العراق إلى وضعه الطبيعي من خلال عدة مسارات دولية وإقليمية، وكان إنشاء مجلس التنسيق السعودي العراقي مؤشراً توالت خلفه مؤشرات أخرى جاء في مقدمتها إطلاق الحوار الاستراتيجي العراقي الأميركي، والسؤال هنا يدور حول وضع العراق والرغبة المطلقة بفهم أهم التفاصيل السياسية التي يعاني منها العراق الذي تلاصق حدوده دولتان يمكن أن تختلفا في كل شيء عدا أن يختلفا حول العراق، وهنا تأتي أهمية وجود دولة مثل المملكة تهتم بتفاصيل العراق وتقدم له ما يمكن أن يسهم بتجاوز أزماته وحماية تاريخه.
العراق بحاجة دولية إلى إنقاذه من تفاصيل مخططات إيرانية تراه كجزء من دول الخليج التي تستهدفها بتدخلاتها ومخططاتها، بالإضافة إلى إنقاذه من تفاصيل مخططات تركية ترغب في أن يكون العراق جزءًا من مخططها في شرق المتوسط، كما أنه بحاجة إلى تفهم الأزمة الداخلية التي يعاني منها العراق، فالتهديدات من فصائل وميليشيات تطال الجميع وتهدد كل التحركات الدولية والإقليمية التي تسعى إلى تغيير وجه العراق ونقله إلى مرحلة جديدة.
السعودية تدرك أن العراق يعاني وبشكل كبير من أزمات فعلية تهدد أمنه الداخلي واستقراره وخاصة من أولئك الراغبين في تفكيك العراق عبر ميليشياتهم أو تدخلاتهم العسكرية، لذلك تدرك المملكة أهمية دورها في تفهم الوضع الصعب للعراق، مع التأكيد المستمر من أن الوجود السعودي بقرب العراق لا يعنى التدخل في الشأن العراقي ولن تكون المملكة بديلاً لإيران في العراق، فالمملكة أثبتت أنها تتعامل مع العراق وفق معايير الجيرة وحق الجار، بعيداً عن الأطماع السياسية، التي أودت بالعراق إلى ما هو عليه اليوم من تعقيدات ومشكلات تتطلب وقتاً طويلاً لتسويتها، ولكن ما يلوح في الأفق هو رغبة دولية وإقليمية للوقوف بجانب العراق، لأن المملكة ليست إيران.