أيام الطبيلا
ما هي الطبيلا؟ قليل من أهل الرياض سيتذكر هذا الاسم، حدث هذا في الستينات الميلادية من القرن الماضي، في موقع بين شارع الوزير وشارع البطحاء في الجانب الأقرب إلى مقبرة شارع الوزير، المساحة بين شارعي الوزير والبطحاء منطقة مليئة بالمحلات والعمائر الصغيرة وبها بعض الأراضي الفاضية. أقيم في تلك المنطقة يوماً من أيام الستينات مسرح على الهواء أو حلقة تصلح للمصارعة والملاكمة أطلق عليها الطبيلا، أتذكر أني حضرت مناسبة أو مناسبتين جرت على هذه الخشبة ولكن ما أتذكره جيداً أني حضرت عرضاً سحرياً لشاب سماه الناس البهلوان، كان رجلاً أبيض اللون أقرب إلى بياض عرب الشمال، مفتول العضلات يميل إلى قصر القامة، وقف وسط الحلقة عارياً إلا من سروال رياضة، وضع على عينه طرف سيخ حديد والطرف الآخر ضغطه على عمود أو شيء من هذا القبيل، حبسنا الأنفاس خشية أن ينغرس السيخ في عينه، لحظة لا أنساها أبداً، صمت الناس كما يصمت أهل القبور، بدأ يضغط السيخ المثبت في عينه ببطء ولكن بقوة، فجأة التوى (انعفط) سيخ الحديد.
صرخ بعض الواقفين: هذا قمرق هذا قمرق، بعض الحضور كان يردد الكلمة بجدية وآخرون يرددونها بطريقة تشي بالسخرية، قد لا تعرف معنى هذه الكلمة، اختفت من قاموس الناس منذ زمن بعيد، القمرق كلمة لها دلالتان في لغة الرياض القديمة: السحر والسلب، عندما يشاهد المرء مشهداً لا يمكن تصديقه يقول هذا يقمرق على العيون أي أنه يسحر الناس، يجعل الناس تشاهد شيئاً لا يمكن تصديقه، أما في الأعياد وخاصة في يوم الحوامة، آخر يوم من رمضان فيلبس الأطفال أزهى ملابسهم ويخرجون يقرعون الأبواب في طلب هدية العيد فيعترضهم الأشقياء لتشليحهم ممتلكاتهم وخاصة طاقيات الزري وما كسبوه في ذلك اليوم من هدايا، لا أعرف ما هو الرابط اللغوي بين قطع الطريق وسلب الناس وبين السحر ولكن هكذا كانت الكلمة.
لا أعرف كم استمرت الطبيلا ولا أعرف لماذا سميت الطبيلا ومن أسسها؟ كانت مشروعاً ترفيهياً تقدم عروضاً رياضية وبهلوانية ممتعة، مشروعاً لا يمكن أن يكون تجارياً فالناس تحضر مجاناً، الأقرب أن جهة حكومية شيدت المنصة وكانت ترتب التعاقد مع العارضين.
اشتهرت هذه المنصة فجأة ثم انطفأت. أعتقد أن سبب اختفائها ضعف التنظيم.
لم يكن المركز الترفيهي الوحيد الذي شيد في ذلك الزمن، ثمة مراكز أخرى سأتحدث عنها يوماً عندما أتذكر منها ما يكفي للقص.
بقلم/ عبد الله البخيت - الرياض