غياب الصوت السعودي
تمتلئ شاشة اليوتيوب بكل شيء تريده، فكر، ثقافة، علم، سياسة، فنون، تاريخ، تكنولوجيا... اطلب ما شئت، الشيء الوحيد الذي لا تجده هو الصوت السعودي رغم أن السعوديين متوفرون على هذه الشاشة بكثرة.
تبرهن مصر أنها فعلاً القائد الثقافي للشعوب العربية. كل شيء تريده على المستوى العلمي أو الثقافي أو الفني أو السياسي أو الديني (الجاد) سوف تجده على لسان مصري. في شاشات العلم التجريبي مصري ينافس مصرياً، على شاشات نقد التراث الإسلامي مصري ينافس مصرياً، شاشات علم التاريخ وعلم الجغرافيا والسياسة يسيطر عليها المصريون بالتوجهات المتناقضة والمتنافسة، بعضهم بمستوى إنتاج بسيط وبعضهم بمستوى إنتاج محترف، تشعر في بعضها أن أصحابها يعملون بمجهود فردي تلاحظ على البعض الآخر أن ثمة جهة تقف وراءه وتموله، لكيلا تقود الكلمة الأخيرة إلى التشكيك أفيد أن بعض هذه القنوات التي تحس أنها ممولة لا تقدم أعمالاً ديموغوجية أو موجهة، بعضها علمي بعضها ثقافي لتبقى مصر سيدة الموقف على اليوتيوب.
عندما تتابع الأعمال المصرية على اليوتيوب تتنبأ أن العالم العربي في طريقه أن يصبح عالماً جديداً. فالقنوات المتوفرة متباينة وتتمتع بجرأة ولا يملك أي طرف السلطة على الطرف الثاني كما كان في زمن سيادة قنوات الدول. ارتفعت درجة الحرية بشكل كبير ومن الواضح أيضاً أن هذه الدرجة ترتفع بشكل ملحوظ يومياً. في هذا الفضاء الفسيح من الحرية الإعلامية سيأتي يوم يكون اللعب على المكشوف، من حسن الحظ أن الشعوب العربية أنها تشتبك مع مصر في كل شيء استراتيجي تقريباً، فالصراع الثقافي المصري المصري سيكون تأثيره كبيراً جداً على العالم العربي، هذا ليس جديداً، كل حركة ثقافية كبرى اجتاحت الوعي العربي مصدرها مصر، الحريات، المرأة، الرواية، الترجمات إلخ.. يبقى السؤال:
لماذا يغيب المثقف السعودي والعالم السعودي والمؤرخ السعودي عن المشاركة في إنتاج المعرفة القادمة وتشكيل مستقبل الشعوب العربية؟
لم أجد في اليوتيوب قنوات سعودية فردية أو مؤسسية ثابتة لها قيمة معرفية، أتذكر كنا نتذرع بالحرية وكنا نتذرع بغياب القنوات الثقافية وعدد من الحجج التي زال معظمها، أن تفتح قناة ثقافية في النقد أو الرواية أو علوم الفضاء أو في نقد التراث لن يكلف الكثير ولن تحتاج إلى صراع من أجل حرية. الإسهام في اليوتيوب مجدٍ على وجوه متعددة، قد يحقق دخلاً معقولاً لصاحبه.
نعلم أن معظم الأعمال الفنية والإبداعية والبحوث العلمية التي أنتجها السعوديون لم تكن تحقق أرباحاً، كانت تقدم من أجل الرضا عن الذات.. لماذا يغيب الإسهام السعودي عن واحدة من أهم القنوات التي سوف تصيغ مستقبل العرب.
بقلم/ عبد الله البخيت - الرياض