لا ملجأ للإنسان سوى المستقبل
لا أعرف إلى أي مدى ستغير تقنية الجيل الخامس العالم، كما يقول الناس اليوم إن الجيل الخامس سوف يجعل من تقنية اليوم التي نحتفي بها من رجيع الماضي. ما حل بالراديو سوف يحل بالنت التي بين أيدينا الآن، لا أعلم هل هذه توقعات وتنبؤات أم حقيقة قائمة، كل منا اليوم يرمي بتوقعاته والله وحده يعرف ما الذي يخبئه لنا المستقبل. من توقعاتي أن تختفي المطابع الكبرى، سيتضاءل استخدام الورق بالتدريج إلى أن ينتهي تماماً في ثلاثين سنة وأتوقع أن يختفي مفهوم السيارة الحالي، ستصبح السيارات مثل الباصات والقطارات ممتلكاً عاماً، قريباً ستدخل السوق السيارة بلا سائق ولن يحتاج الإنسان بعد ذلك إلى امتلاك سيارته الخاصة، يطلب أي سيارة في أي وقت وبعد أن يصل المرء إلى بغيته يتركها ترحل.
توقعات المستقبل مادة ممتعة عندما تضع رأسك على مسند الكنبة وتبدأ في تخيل المجهول. الناس الطيبون مثلي ومثلك لن ترى في المستقبل سوى التقدم، قلما يفكر الإنسان بالكوارث أو الحروب والمشكلات الإنسانية الكبرى. قبل عشر سنوات فقط لا يمكن أن تتخيل أن سورية كان يمكن أن تكون مسرحاً لحروب ظلامية عبثية، وقبل ذلك بعدة سنوات لم تتخيل أن الطائفية ستعود بالعراق إلى القرون الوسطى، من عاش مع بداية القرن العشرين لم يكن ليتخيل أن حربين مدمرتين سوف تجتاح أوروبا وتغير العالم.
المستقبل مليء بمفاجآت قد تكون سارة وقد تكون سيئة، لكن الناس عندما تتخيل المستقبل تتعامل معه بآلية أحلام اليقظة، بقدر ما تتمنى تتخيل. على المستوى الشخصي أو على مستوى الإنسانية.
مشكلة تخيل المستقبل تكمن في أدوات التخيل. لا يستطيع عقل الإنسان رؤية ما لم يتوفر شبيه له في الذاكرة. الإنسان لا يخلق وإنما يركب أو يؤلف شيئاً جديداً بتركيب خلاق.
لكن هناك ظاهرة إنسانية لا تريد أن تكف. مع كل تقنية جديدة تظهر فجأة تقارير تؤكد على سلبيات جمة في هذا الاختراع أو ذاك. بعضها حقيقي وبعضها تهاويل. عندما ظهر الجوال وبدأ ينتشر بين الناس توقع خبراء التهاويل أن البشرية سوف تنقرض بالسرطان الذي تسببه الأشعة التي يطلقها الجهاز فانتىشرت سماعات الأذن حتى ظننت أن مصنعي سماعات الأذن هم من يقف وراء هذه الإشاعات. أتذكر عندما اقترب عام ألفين ضج العالم بخبر انهيارات ستحل بأجهزة الكمبيوتر وهذا سيقود إلى كوارث على الدول وعلى المؤسسات وحتى على الأفراد وتبين أن بعض شركات البرمجة كانت تقف وراءها وبالفعل حققت أرباحاً طائلة من فزع الناس.
مهما كان المستقبل ومهما جاء بالكوارث هو قدرنا وهو المكان الوحيد الذي سنجد فيه سعادتنا.
بقلم/ عبد الله البخيت - الرياض