الخلط بين الجامعات ومراكز التدريب

التعليم شيء والتدريب شيء آخر. أمر يعرفه الكثير ولكن على مستوى الواقع القليل منا يدرك هذه الحقيقة البدهية إدراكا تطبيقيا. في المطالبات لتطوير التعليم تلاحظ أن الكثير يريد من الجامعات أن تخرج طلابا يلبون متطلبات سوق العمل. خالطين بين دور الجامعة كمصدر للتعلم وبين مراكز التدريب كمصدر للعمالة الماهرة. هذا ما وقعنا فيه عند رسم خطط الابتعاث. صرنا ننتظر أن يأتي خريجو الجامعات الأجنبية ليبدؤوا العمل كعمال مهرة. قاد هذا أن تجاهلنا تماما الابتعاث للمعاهد المهنية التي تخرج مهرة ينجزون الأعمال. على أساس أن سعيد أخو مبارك.

تغيب عن حواراتنا أهمية التعلم والبحث العلمي والتطور الفكري. الفصل بين أصحاب المهارات وبين المتعلمين. نتنادى في الصحافة وفي وسائل الإعلام إلى تحويل الجامعات إلى مراكز تدريب. كأننا نعمل إجراء عند مديري شركة سابك. أو كأننا موظفين في العلاقات العامة في شركة أرامكو. عندما يتناقش مديرو الشركات في مسألة الموارد البشرية لا يمكن أن يفكروا في التاريخ واللغة العربية وعلم الاجتماع والأنثربلوجيا ليست من اهتمامهم.

إنجلترا لم يصنعها المهندس والطبيب والميكانيكي. صنعها برترند رسل وتوينبي وانجلز. عندما نتحدث عن الثورة الصناعية والثورة البلشفية والثورة الفرنسية فنحن نتحدث عن فكر. الأمم صنعها المفكرون والأدباء والمؤرخون وهؤلاء أيضا من صنع المهندس والطبيب والميكانيكي. تستطيع إنجلترا أو المملكة أن تستورد مهندسين وأطباء من الفلبين أو الهند. ولكنها لا تستطيع أن تستورد أديبا أو مفكرا أو مؤرخا من أي مكان من العالم. تستطيع المملكة أو إنجلترا أن تنتج آلاف الأطباء والمهندسين في غضون عشر سنوات ولكنها لن تتمكن من صناعة مفكر أو أديب في أقل من ثلاثين أو أربعين سنة.

بناء الفكر يختلف عن بناء المهن والعمائر والجسور. فرق أن نتحدث عن الوظائف وأكل العيش وبين أن نتحدث عن بناء أمة منيعة. الجامعات اسمها مراكز أكاديمية وليست مراكز مهنية أو تدريب.

لاحظنا في أيام الصحوة كيف أصبح كثير من هؤلاء المهنيين (الأطباء والمهندسين) ضد كل ما تعلموه في أرقى الجامعات. تحولوا تحت ضغط الحملات إلى دعاة معادين للعلم. صاروا يروجون للخرافة والغيبيات الساذجة والمتهور منهم التحق بداعش. لم تردعهم مهنهم الراقية. غياب أو صمت المفكرين والأدباء فاقم أمر هؤلاء. تركنا الجامعات نهبا للمتطرفين فتحطم العقل النقدي الذي يشكل أساس وجود أي جامعة. الجامعة تصنع عقلا وطريقة تفكير ولا تصنع مهنيا. فصل العلم عن التفكير هو الذي جعل الشعوب العربية تصل للانهيارات التي نشهدها. الطالب الذي يتخرج من الجامعة يفترض أن يكون ولاؤه للعقل العلمي والتفكير النقدي ثم للتخصص. علينا أن نكف عن الخلط بين الجامعة وبين مركز التدريب.

بقلم/ عبد الله البخيت - الرياض